معنى الحديث: "يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ، كُلُّهُمْ ابْنُ خَلِيفَة"؟
معنى الحديث: "يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ، كُلُّهُمْ ابْنُ خَلِيفَة"؟
كتب أحدهم لأمير المؤمنين، حضرة الخليفة الخامس (أيده الله بنصره العزيز) رسالةً تتضمن الحديث التالي:
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ابْنُ خَلِيفَةٍ ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ فَقَالَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ.
وفسر المرسل جزءً من الحديث وسأل حضرة أمير المؤمنين عن رأيه وطلب من حضرته تفسيرًا أوسع لبقية الحديث.
فأجاب حضرة أمير المؤمنين برسالة بتاريخ 30/05/2020 بما يلي:
"لقد اقتبستَ هذا الحديث من "البحر الزخار" بينما هو موجود أيضًا في "سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب خروج المهدي" والذي يعد من أكثر كتب الحديث صحة (من الصحاح الستة) وإن تفسيرك للكنز ولأبناء الخليفة المذكورين في الحديث عبارة عن وجهة نظرك الخاصة.
برأيي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا عن الكثير من الأحداث التي ستحدث في الأمة الإسلامية في المستقبل، بعضها مرتبط بالأمور الدنيوية وبعضها مرتبط بالأمور الروحانية، وعلى الرغم من أن الكثير من العلماء قد فسروا كلمة "الكنز" بأنها "الكعبة المشرفة" فإن هذا الكنز قد وقع في أيدي الكثير من الحكام، لذلك لا يمكن تأويل كلمة الكنز هنا على أنها الكعبة المشرفة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث إنه لن يستطيع أحد الحصول على هذا الكنز.
لذلك فإن الكنز هنا يعني الكنز الروحاني الذي بشرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة".
واستنادًا للقرآن الكريم فإن الشرط الأول للحصول على هذا الكنز هو الإيمان وأداء الأعمال الصالحة وكلاهما لم يعودا موجودين عند هؤلاء الحكام الدنيويين الذين خاضوا العديد من الحروب للحصول عليه ولكن لم يكن ذلك الكنز الروحاني في متناول يديّ أحدٍ منهم.
لهذا السبب استعمل النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم كلمات "ابن خليفة" بحق أولئك الذين يقتتلون من أجل الكنز "المادي" بمعنى أنهم سيكونون خلفاء بمعنى أنهم سيرثون الحكم ولكنهم لن يكونوا خلفاء مختارين من قبل الله تعالى ولن يكونوا خلفاء على أساس الخلافة على منهاج النبوة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قد استخدم كلمة "خليفة الله المهدي" في الحديث ذاته أيضًا بحق الشخص الذي سيتلقى الكنز الروحاني "للخلافة على منهاج النبوة".
لقد ذكرت رأيك حول قتل المسلمين الوارد في هذا الحديث بأن هذا الاقتتال سيتم من خلال المهدي، وهذا غير صحيح بنظري.
لو كان تفسير ذلك هو القتل المادي وإراقة الدماء فما كان ذلك ليتم على يد المهدي أبدًا بل إنه يدل على إراقة الدم في الحروب التي شُنت بين المسلمين خلال الفترتين المذكورتين في البيان النبوي في حديث آخر للرسول صلى الله عليه وسلم (والوارد في مشكاة المصابيح) بكلمات "ملكًا عاضا" و"مُلكًا جبرية" وإضافةً إلى ذلك من الممكن أن يشير أيضا إلى المجزرة التي قام بها المغول بحق المسلمين في القرن الثالث عشر.
ومن الأدلة على أن هذا لن يتم على يدي خليفة الله المهدي هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذكر أن المهدي "يضع الحرب" (صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب نزول عيسى) وهذه ستكون السمة المميزة لبعثته. فكيف يمكن أن يعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية أن المهدي سيأتي حاملًا لواء السلام والمصالحة ومن ناحية أخرى يخبرنا عن إراقة دماء المسلمين بطريقة لم يسبق لها مثيل؟!
ثم قال راوي هذا الحديث: "ثُمَّ ذَكَرَ (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ" وهذه العبارة تستحق اهتمامًا خاصًا، ومن المحتمل جدًا أن تلك الأمور كانت مرتبطة بظهور الدجال، فهناك العديد من الأحاديث التي وصف فيها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فتنة الدجال بأنها من أشد الفتن، وبشر أمته بمجيء المسيح الموعود لردع تلك [الفتنة]. وبحسب الراوي، بعد هذه الكلمات، ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيء المهدي، وعندما تحدث عن وجوب بيعته، شدد على أنه حتى لو اضطر المرء للحبو على الثلج لا بد له أن يبايعه لأنه خليفة الله المهدي.
وهكذا فقد ذكر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ثلاث فترات مختلفة في هذا الحديث:
1-الفترة الزمنية التي شاء الله أن ينتهي فيها العهد المبارك للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة، وبعد ذلك سيقتتل المسلمون فيما بينهم ويسفكوا دماء شعوبهم بعد إخضاعها، وفي ذلك الوقت سيخسرون كنزهم الروحي.
2- الفترة الثانية: هي الفترة الزمنية التي كان من المقدر أن يتعرض فيها المسلمون لإراقة الدماء على يد خصومهم من غير المسلمين بسبب ضعفهم المادي أيضًا.
3- ثم هناك الفترة الثالثة التي كان من المقرر أن يظهر فيها المسيح المحمدي والإمام المهدي بحسب نبوءات النبي صلى الله عليه وإن من سيتبع من أبناء الأمة الإسلامية هذا الابن الروحي المخلص للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ويبايعه، فإنه سيرى مرة أخرى وقت الازدهار الذي شهدته الأمة الإسلامية في العهد المبارك لسيدها ومرشدها الرسول الكريم محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم. وإن البشارة السارة الواردة في قصيدة للمسيح الموعود عليه السلام "من يجدني سيلتقي بالصحابة" ستتحقق في النفوس الطيبة التي ستجده.
إذا كان القتل والدمار الواردان في الحديث مجازيان فسيكون معناهما كما يلي: مثلما أن عبارة "فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ" الواردة في حديث "يضع الحرب" في صحيح البخاري ليست بكسرٍ مادي للصلبان أو قتلٍ مادي للخنازير، بل معناها الرد على الاعتراضات التي تثيرها المسيحية ضد الإسلام، فإن قتل المسلمين على يد الإمام المهدي يشير إلى القضاء على المعتقدات الباطلة التي وجدت طريقها إلى المسلمين، ويشير أيضًا إلى ترسيخ الدين بعد إحيائه في جميع أنحاء العالم وفق تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم. لذا، في رأيي، إذا تم فهم الحديث بهذه الطريقة، فإن تفسيره سيكون أكثر ملاءمة ويمكن أيضًا تفسير "القتال" بهذه الطريقة".