السيدة ميليسا أحمدي – المملكة المتحدة
رحلتي إلى الإسلام: إيجاد سلام القلب
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" (الأنفال: 25)
في خيمة الجلسة هذه وقبل حوالي 13 عامًا تقريبًا وأنا بعمر الثالثة عشرة، اعتنقت الإسلام وانضممت للجماعة الإسلامية الأحمدية. أبلغ من العمر الآن 26 عامًا وهكذا فقد أمضيت نصف حياتي كمسلمة أحمدية بفضل الله.
تبدأ قصتي في شمال غرب إنجلترا في مدينة مانشستر. لم تتم تنشئتي على أي دين، كان مجتمعي المحلي الذي أعيش فيه رمزًا للتنوع. فداخل دائرة نصف قطرها ميل من منزل والديّ، توجد كنائس لجميع الطوائف المسيحية، ومساجد لجميع الطوائف الإسلامية، ومعبد للسيخ، ومعبد هندوسي، ولكن في نهاية الطريق يقع مسجد دار الأمان حيث وجدت الله تعالى.
وجدت الإيمان بدايةً مع أختي الكبرى، جاذبة، أنا الأصغر بين 3 أخوات وقد أنعم الله علينا بطفولة سعيدة للغاية وأبوين محبين. لا يمكنني التعبير عن مقدار الدعم الذي قدمه لي والديّ في رحلة انضمامي للإسلام، وأنا أعلم أن هذا بالنسبة لمعظم المسلمين الجدد، إن لم يكن لجميعهم، جوهرة نادرة وشيء يجب تقديره وتعظيمه.
لطالما آمنت جاذبة بالإله الواحد وقد بحثت في جميع أديان العالم عندما كانت مراهقة صغيرة. عندما كانت في آخر سنتين في المدرسة، أخبرتها صديقتها أنها مسلمة أحمدية. فبدأت بدراسة الأمر ووجدت أن الإسلام في الأحمدية هو الأكثر منطقية وعقلانية على الإطلاق، وهو لم يستبعد تعاليم الأنبياء السابقة. في الواقع، كان بوذا وكريشنا والمسيح (عليهم السلام جميعًا) مجرد عدد قليل من آلاف الرسل الذين جاؤوا لتوحيد الناس مرة أخرى للاعتراف بخالقهم الأعلى. بعد بضع سنوات، وبعد قراءة كل الكتب المتاحة في الجماعة، اعتنقت جاذبة الإسلام في سن الـ 19. كان عمري 7 سنوات حينها. وربما هنا قد زرعت أختي البذور من أجلي أيضًا.
بدأت أذهب معها إلى المسجد في مانشستر، بين الحين والآخر. كنت صغيرة حقًا، لكنني أعتقد أنها استمتعت بأخذي معها، وبالنسبة لي في البداية كان ذلك مجرد إمضاء يوم ممتع بالخارج وأحيانًا أمزح وأقول "كان الطعام هو الذي استحوذ على قلبي" (وهذا صحيح أيضًا). لكن مسجد دار الأمان كان بالنسبة لي اسم على مسمى. أتذكر الانضمام إلى صلاة الجماعة لأول مرة عندما كنت في السابعة من عمري، حيث شعرت بإحساس قوي بالانتماء. لم أكن أعرف السبب ولم أستطع شرح ذلك، لكنه كان مكانًا مريحًا. لم أفهم اللغة العربية، ولم أكن أعرف أي حركة هي التالية في الصلاة. لكن فهمي للإسلام كان من خلال مراقبة الآخرين فقط والذين أصبحوا قدوة لي.
أصبح المسجد بيتي الثاني فهناك جماعة من المؤمنات تربطهن معًا رابطة الأخوة التي تجاوزت العرق والثقافة وحتى اللغة. في أكتوبر 2004، قام أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) بزيارة مدينة مانشستر لافتتاح المسجد بعد أعمال التجديد. كانت هناك أعداد كبيرة من الناس من جميع أنحاء الشمال الغربي، وقد رفعت نفسي بأدب لمحاولة مقابلة أمير المؤمنين الذي كان يعطي شوكولاتة تويكس لجميع الأطفال. كنت في التاسعة من عمري لكن حدسي أخبرني أنني كنت في مكان من شأنه أن يغير مجرى حياتي، وقد ظل يدعوني للعودة إليه.
مع تقدمي في العمر، أصبحت أكثر فضولًا. كنت في العاشرة من عمري عندما طلبت من أختي أن تعلمني كيفية قراءة القرآن الكريم وبدأت بتعلم الحروف العربية. أتذكر أنني كنت أرغب بشدة في القراءة مثل الفتيات الأخريات في نصف عمري. كنت أستمع إلى مسابقات التلاوة وأنا أفكر في نفسي أنني يومًا ما إن شاء الله سأكون جيدة بما يكفي للانضمام للمسابقة. أصبحت القراءة وسيلة لزيادة معرفتي الدينية.
عندما يسألني الناس عن انضمامي للإسلام.. يسألونني في أغلب الأحيان لماذا؟
كانت الجلسة السنوية لعام 2009 نقطة تحول بالنسبة لي. فكرت أن الإيمان بشيء ما أنه صحيح في قلبي ليس كافيًا، وشعرت أنه كلما تعلمت أكثر، كانت قطع اللغز تتجمع ببطء. لقد رأيت الدليل على صدق الإسلام بنفسي... رأيت السلام والتركيز الذي يجلبه إلى حياة الناس. رأيت جماعة متحدًة معًا تسعى جاهدة من أجل السلام.. رأيت نساء وفتيات يشعرن بالقوة من خلال دورهن في خدمة دينهن.. كنت أعرف كم أشعر بالهدوء والسلام عندما أذهب إلى المسجد.
تطلب قول الحقيقة مني الشجاعة على الرغم من أنني لم أستطع شرح مشاعري بشكل جيد. لم أحضر الجلسة ذلك العام بنية اعتناق الإسلام، لكن ما رأيته وغمرني كان حقيقيًا وطبيعيًا بالنسبة لي. لقد قبل قلبي بالفعل، وكان عليّ فقط أن أتحلى بالشجاعة لأقولها بصوت عالٍ. أشعر حقًا أن الله قد وضع شيئًا ما في قلبي في نهاية ذلك الأسبوع.. يوم الأحد من جلسة عام 2009، مشيت من خيمة التبليغ مع أختي عبر الحقل هنا، وجلست في خيمة الجلسة في المنطقة الخضراء. أمسكت بيد أختي التي كانت على يساري، وبيد فتاة لا تكبرني كثيرًا كانت تبايع مع والدتها إلى يميني. عندما بدأ حفل البيعة، كان الوضع كما لو أن هناك تيارًا كهربائيًا يسري بيننا ولا أعتقد أنني مررت بأي شيء كهذا من قبل وشعرت أن هذا هو القلب النابض في مركز العالم.
في تلك اللحظة تمنيت أن يشعر الجميع بما كنت أشعر. كان الهواء ساكنًا جدًا، لكنه كان صمتًا مليئًا بالسلام وشعرت أننا جميعًا متصلون، والوقت قد تجمد، ولم يكن هناك شيء آخر موجود أو مهم باستثناء تلك اللحظة.
وعندما صليت خلف أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) شعرت أن اللحظة قد حانت لأكون صادقة مع نفسي. كانت عيناي تؤلماني من البكاء وتوقف الهواء في حلقي عندما رددت: "أستغفر الله ربي من كل ذنب وأتوب إليه" وشعرت بثقل العالم ينزاح من على جسدي كله، وعندما جلست بعد السجود شعر جسدي بالنور والحرية وفي حالة من الابتهاج. خرجت من الباب وعدت نحو خيمة التبليغ وشعرت بأنني مختلفة تمامًا عن الشخص الذي دخل.
شعرت أن الله قد منحني بداية جديدة وشعرت وكأني ولدت من جديد وسأبدأ من جديد.. هنا بدأت قصتي بالفعل. كنت أعرف منذ البداية أن الجماعة الإسلامية الأحمدية ستشفي العالم بحبها، وأني سأنضم إلى ما كان مقدرًا لي دائمًا. عندما كان معظم الناس في إجازة الصيف، عدت إلى المدرسة كمسلمة أحمدية.. لكن ماذا سيقول الآخرون؟ شعرت هنا بثقل المسؤولية.
عدت في سبتمبر وأنا في سن الثالثة عشر في الصف التاسع وقد اخترت ارتداء الحجاب. أتذكر كيف كانت معدتي تقرقر وكم كنت قلقة قبل ذهابي إلى المدرسة بشأن ما سيقوله الناس وما سيفكرون فيه. لقد عكس حجابي طبيعتي وشخصيتي خلال العديد من فصول حياتي حتى الآن. لقد تطلب الأمر مني شجاعة ومرونة ولكني لجأت للدعاء في هذه الرحلة. إن ارتداء الحجاب مع الزي المدرسي كل يوم يعني أنه أصبح عادة خارج المدرسة أيضًا. الشيء الذي جعلني متوترة في البداية هو "ماذا سيفكر الآخرون؟ وماذا سيقولون؟" لكنني فكرت بمرور الوقت: لماذا يجب أن يكون ذلك أكثر أهمية من إيماني ومن ما أؤمن به؟
لقد رأيت كيف فتح الله لي العديد من أبواب الفرص. وبفضل الله تعالى، كان ارتداء الحجاب دائمًا دعوة لي وللآخرين للتحدث والانفتاح بشأن ديني ومعتقداتي. ارتداء الحجاب يشعرني بقوة من أنا وأشعر أن الله قد دفعني إلى الأمام بسببه. يرى الله جهودنا الصغيرة والصراعات الخاصة التي نواجهها. إن الله هو الهادي وهو السلام ولا يكلف نفسًا إلا وسعها، لقد واساني بمعرفة أنه من خلال اتخاذ خطوة واحدة تجاهه، كان الله يأتيني هرولة دائمًا.
أتذكر لقائي الأول مع أمير المؤمنين، خليفة المسيح الخامس (أيده الله تعالى بنصره العزيز) بعد اعتناقي الإسلام وكنت أبلغ من العمر عندها 14 عامًا. جلست هناك صامتة، بينما كانت أختي تشرح ذلك. لقد ركز علي وكان يتأكد من أنني قد دخلت الإسلام بنفسي وأن هذا كان قراري وخياري. منذ ذلك الحين، عرفت أنه مهما حدث لي في حياتي، سيكون دائمًا هناك من أجلي.
مثل معظم الشباب، أصبح عالمي متمركزًا حول الصديقات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كونوا مع الصادقين" وقال أيضًا: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا".
عندما كنت مراهقة صغيرة، كنت أجد مكاني في العالم تمامًا مثل أي شخص آخر، كان جيلي من أوائل الذين عاشوا في عالمين: العالم الحقيقي وعالم الإنترنت على وسائل التواصل الاجتماعي. أدركت معنى عبارة "قل لي من تصاحب أقل لك من أنت" وهذا يضم وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا. طوال سنوات مراهقتي، حضرت دروسًا في المسجد مع طالبات وشابات أخريات. كنا نلتقي ونناقش الأسئلة والموضوعات التي ربما نشعر بالخجل من طرحها علنًا، أو الأشياء التي كنا نشعر بالارتباك بشأنها. أشعر أن هذا ساعدني على النمو بشكل كبير في فهمي لمعتقداتي. لقد ساعدني هذا في بناء صداقات وعلاقات مع الفتيات والنساء الشابات الأخريات أيضًا. كنا نلتقي في المسجد، ونتناوب في تحضير المواضيع، وكنا نتناول معًا بعض البيتزا ونمارس الرياضة (هناك توازن دائمًا!). لقد كان مكانًا آمنًا، حيث يمكنني التعلم دون الشعور بالحكم على مقدار ما أعرفه أو على قلة معرفتي به. كان تعلقي بالمسجد بسبب معرفتي أن بإمكاني أن أذهب وأكون في مكان يسوده السلام.
كشابة في هذا المجتمع، يمكن أن تشعري وكأنك تتنقلين بين العديد من جوانب شخصيتك أو بين أدوار حياتك المختلفة: أنت التي في المدرسة.. في الكلية.. في الجامعة.. في العمل.. في المنزل. ذاتك التي تسعى للخير وذاتك التي تقع في العادات السيئة والإغراءات. تحدث المسيح الموعود (عليه السلام) عن تأثير الصحبة الجيدة وقال: "من الملاحظ بوجه عام أن معظم الناس عندما يسمعون كلاما كهذا في مجلس تتأثر قلوبهم ويستحسنونه، (أي ما يسمعون من الأمور الحسنة في مجلس) ولكن عندما يخرجون من المجلس ويخلون إلى أصدقائهم وأحبتهم يتصبغون بصبغتهم وينسون دفعة واحدة ما سمعوه من قبل ويعودون إلى دأبهم السابق. يجب على المرء أن يجتنب هذا التصرف. ولا بد أن يتنحى عن تلك الصحبة والمجالس التي تجري فيها الأحاديث من هذا القبيل. وإلى جانب ذلك لا بد من التذكر أيضا أن يكون مطَّلعا على دقائق الأعمال السيئة لأن العلم بشيء قبل طلبه ضروري أولا وقبل كل شيء. فما لم يكن لدى المرء علم بشيء، أنّى له أن يحصل عليه؟"
السبب وراء ذكري هذا هو أنني أعرف أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس. فالشعور بالانجذاب نحو اتجاهات مختلفة، وتأثيرات المجتمع، وتأثير الأصحاب، والسعي لإيجاد طريق التقوى والخير بين كل ذلك. لقد نشأت وأنا أشعر بأن الكثير من وسائل الإعلام الرئيسية تؤطر للصور النمطية السلبية للمرأة المسلمة. وعندما ذهبت إلى الجامعة، أتذكر أنني شعرت أنني لست متأكدة من مكاني على الإطلاق. فكرت أين مكاني المناسب؟
عندما وجدت نفسي بمواقف لم أكن أعرف فيها ماذا أقول أو كيف أدافع عن نفسي، كنت أعود إلى المنزل وأبحث، كنت أبحث على مواقع Alislam.org و Review of Religionsكنت أسأل أختي أو صديقاتي الأحمديات عن الإجابات. واكتشفت أنه كلما تقدمت في السن زادت لدي الأسئلة.. كان لدي الكثير من الأسئلة حول الحشمة والفصل والمساواة بين الجنسين وحقوق المرأة. إذا سألني أحدهم سؤالاً عن الدين، أو قال شيئًا سلبيًا، كنت أفتقر أحيانًا إلى الشجاعة والقوة للدفاع عن نفسي وغالبًا ما كنت أبقى هادئة وكنت أعود إلى المنزل محبطة وأفكر في كل الأشياء التي كان بإمكاني قولها...عدم معرفة الأشياء جعلني أشعر بعدم الارتياح حقًا.
مؤخرًا في لقاء افتراضي مع لجنة إماء الله في ألمانيا في 20/02/2022، قدم أمير المؤمنين نصره الله مثال حضرة خليفة المسيح الثاني (رضي الله عنه) ابن المسيح الموعود (عليه السلام) الذي تساءل حول إيمانه بالله وبالإسلام في طفولته. قال أمير المؤمنين "... إذا كنت تؤمنين بالدين لمجرد أن والديك يتبعانه، فلا فائدة من ذلك حتى تعرفي بنفسك ما هو الإسلام وما هي الأحمدية ... فالأسئلة موجودة بشكل طبيعي في العقل المثقف ويجب أن تثار، ولكن لا يجب أن تتركيها عنادًا في مرحلة السؤال، بل يجب أن تركزي على إيجاد الإجابات ولا تتوقفي عن البحث حتى تجدي إجابة لسؤالك".
لقد كانت رحلة طويلة لتحقيق الذات، ومعرفة أن مهمتي هنا ليست أن أكون مثل أي شخص آخر. مهمتي هي الاستمرار في الكفاح على الرغم من اختلاف طريقي عن معظم الطرق، مع العلم أن الله وضعني على هذا الطريق لسبب ما. قال أمير المؤمنين نصره الله مؤخرًا في اجتماع افتراضي: "يجب أن تتحلوا بالثقة، ومن أجل هذه الثقة سيتعين عليكم زيادة معرفتكم". لقد أثبت الإسلام لي أن الحقوق التي أعطاها الله للمرأة والفتاة تفوق كل الأمثلة الدنيوية الأخرى. قال المسيح الموعود عليه السلام إنه في الإسلام: "كأن النساء قد وضعن على العروش". أشعر بالفخر لأن مكانة المرأة كمكانة الملوك وتظهر هذه المكانة من خلال حقيقة كوننا النساء الأحمديات من بين أكثر النساء تعليمًا في العالم ونتفوق على الرجال (بالمناسبة)، بما في ذلك الدول التي يكون فيها معدل معرفة القراءة والكتابة لدى الإناث منخفضًا جدًا. أدركت أن البركة الحقيقية هي أن أكون جزءًا من هذه الجماعة التي تبذل قصارى جهدها من خلال العمل وليس الكلمات فقط لإظهار أن النساء هن "بناة الأمة" في العالم. وجدت أنه كلما قرأت أكثر، تعلمت أكثر. وهذا مستمر كل يوم. هناك العديد من المنصات التي ساعدتني عندما كنت مراهقة وما زالت مستمرة حتى الآن Alislam.org ، و Whyahmadi.org، ومجلة مراجعة الأديان، وجريدة الحكم، ومدونة اللجنة: صوت المرأة البريطانية المسلمة. لا يزال بناء الثقة في معتقداتي وتوضيحها للآخرين رحلة. كان كتاب "دليل التبليغ" للإمام نسيم باجوا مفيدًا جدًا بالنسبة لي في كسر المفاهيم الدينية الأكثر تقدمًا.
ولكن مع تزايد الثقة، نبدأ في التعرف على أخطائنا ونتعلم الأشياء ولكننا نقصر في التصرف وفقًا لما نعرف أنه صواب. نحن نرتكب الأخطاء ولا نعرف كل شيء، وليس من الصحيح التظاهر بأننا نعرف. كل موقف واجهته في الحياة قدم نفسه كدرس لي.كان بإمكاني إما تجاهله، أو أن أتعلم وأكبر بسببه. كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: "وجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ..." (الحج: الآية 79). لقد وجدت الحقيقة بالفعل ولكن الأمر الآن متروك لي لفهمها على مستوى أعمق وأن أجد الراحة فيها. استمرت هذه العملية من الدراسة المستمرة وبناء الثقة جنبًا إلى جنب مع تجاربي الحية. شعرت بتجدد حيوي مما قرأته وفصل الحقيقة عن الخيال، ولكن إلى جانب ذلك، شكلت خبراتي التي أعيشها شعوري تجاه نفسي. من الآمن أن نقول إن الكثير منا قد يواجه أزمة هوية في وقت أو آخر. كان الشعور بالثقة والراحة في هويتي رحلة للعثور على تلك الثقة أيضًا.
كان بناء قوتي الداخلية وثقتي بمرور الوقت بمنزلة إعداد الدروع الواقية للبدن. بغض النظر عما قاله أي شخص، لطيف أو غير لطيف، سألت نفسي هل بنيت ثقتي بما فيه الكفاية بحيث عندما تأتي الأمور السلبية، فإنها لن تغير الطريقة التي أشعر بها تجاه نفسي؟ نحن جميعًا بشر ونكافح في بعض الأحيان، لكن الدعاء لنفسي، والثقة بهويتي، لأنني امرأة مسلمة أحمدية وأن تكون لدي شجاعة مطلقة في تلك الهوية؛ شعرت أن أدعيتي تعمل من أجلي، فقد أصبحت مثل ميدان قوة الحماية، الذي جاء للدفاع عني حتى في أضعف لحظاتي.
عندما أنهيت تدريبي التعليمي الرسمي لأصبح مدرسة في الجامعة، في أوائل العشرينيات من عمري، كنت متزوجة وعندي بنت. أتذكر التفكير والشعور "ما هو هدفي هنا"؟ كلما حاولت الاتكال على الله وطلب مساعدته، تبين لي أنه كان دائمًا معي. أتذكر شعوري بأن الاتكال على الله يعني ترك كل شيء معه - أوقات سعادتنا والأوقات الصعبة أيضًا. مع العلم أن أدعيتي تستجاب بأفضل طريقة بالنسبة لي، ليس دائمًا بالضبط متى أو كيف تخيلت ولكن بالطريقة الأفضل بالنسبة لي. فكرت كيف أن هذا النوع من الحب هو شعور لا ينتهي ويعطيني أشياء لم أطلبها أبدًا، ويحجب الأشياء عني من أجل تحسين نفسي: "وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" [سورة الزمر: 62].
إن العثور على الإيمان في سن مبكرة يعني أنني كنت محظوظة لتلقي إرشاد الخليفة منذ الصغر أيضًا. لقد حصلنا على أكبر هدية على الإطلاق، وهي علاقة شخصية مع ممثل الله على الأرض، خليفة الوقت. عندما كنت في الحضيض فيما يتعلق بمعرفة ما يجب القيام به أثناء فترة الإغلاق في فترة كورونا، كأم شابة ولديها طفلان صغيران جدًا، استجاب حضرته (نصره الله) - في وقت كنت في أشد الحاجة إليه. ذهبت لرؤيته وكان يعرف ما كان بقلبي دون الحاجة إلى قول ذلك. حبل الخلافة أقوى رباط في حياتك. هذا هو الشخص الذي يدعو من أجلنا جميعًا قبل أن ينام بدون أي توقع منا. يشعر بألمنا وعذابنا وسعادتنا ورضانا. خلال اضطرابات الحياة، أدركت أنه لا يمكن تحقيق السلام الحقيقي دون بركات الخلافة. كانت حياتي قد اكتملت عندما أدركت أنني عدت إلى المكان الذي نذرت له حياتي. قال المسيح الموعود (عليه السلام): البيعة تعني أن يُسلّم العبد نفسه لله والمراد من ذلك أننا بعنا أنفسنا لله تعالى" وقال أيضا:" "أولا وقبل كل شيء لا بد للمبايع من التواضع والانفصال عن الأنانية والنفسانية"
إن دورنا في الواقع كبير جدًا، لقد قال أمير المؤمنين نصره الله مؤخرًا مخاطبًا السيدات في فنلندا: "يجب أن تدركن بأننا نحن من سنصلح العالم، ومن واجبنا هداية الآخرين بدلاً من اتباع العالم" لقد فتحت هذه الرحلة الروحية عيني على حقيقة أن إيماننا الأساسي، والسبب في وجودنا جميعًا في هذه القاعة متحدات معًا في الدين، هو نظام الخلافة الإلهي. والدليل الحي على أن الأحمدية هي قوة السلام والحق والوحدة اللتان يبحث عنهما العالم موجودان هنا.
في الختام، أود أن أقتبس مما كتبته يسرا دهري، حفيدة أمير المؤمنين، لقد ذكرت قصة عن جدها أمير المؤمنين، حضرة ميرزا مسرور أحمد بعد إلقائه خطبة الجمعة في رمضان وقالت:
"وصلنا إلى أعلى الدرج. أحب هذا الجزء من المنزل، نظرًا لمدى جمال غروب الشمس في إسلام أباد. لكن الغروب كان لا يزال بعيدًا، لذا لم يكن هذا هو الوقت الذي أصعد فيه عادةً إلى هناك. لم أرَ غروب الشمس، لكنني رأيت صفوف الأحمديين وهم يخرجون من المسجد. رفعت عينيّ من النافذة لألقي نظرة على أمير المؤمنين الذي كان يقف إلى جانبي. رأيته يبتسم ووجهه يتوهج وهو يشاهد المصلين يغادرون معًا وقال لي إنه مع عودة الأمور في العالم إلى طبيعتها، سيتمكن المزيد من الأحمديين من أداء الصلاة معًا بإذن الله. عدت إلى النافذة وأنا أشاهد الأحمديين يسيرون على طول الطريق. عندما انحنيت على حافة النافذة، شعرت أني سأتذكر هذه اللحظة دائمًا.. كنت أقف إلى جانب أفضل شخص أعرفه، أمير المؤمنين، الذي لا يفكر بالراحة مطلقًا، رغم إلقاء خطبة لمدة ساعة وهو صائم، بل ها هو ينظر من النافذة بالكثير من الدفء في عينيه دون أن يعرف الأحمديون الذين تحت النافذة ذلك، ويأمل أن يعطَوا المزيد من الفرص للصلاة معًا. إنه أنقى شيء رأيته في حياتي. لقد أدركت شيئًا في ذلك اليوم: "أمير المؤمنين يحبنا حتى عندما لا ننظر إليه"
يبحث الناس في كل مكان عن هذا الشعور بالاستقرار والرضا والتوجيه وسط الحروب والألم والصراع الذي تعاني منه كل قارة على وجه الأرض. لكن السلام الحقيقي في المجتمع والسلام الداخلي للقلب هو مع الله. قال أمير المؤمنين نصره الله في منتدى قادة مجلس خدام الأحمدية لعام 2019:
"قال المسيح الموعود (عليه السلام) ذات مرة: "إذا أرضيتم الله، فلن تغيب عنكم الشمس أبدًا" وهذا يعني أنه إذا كان الإنسان جادًا في السعي لنيل رضا الله وقربه، فإنه سيتغلب على أية تحديات أو صعوبات قد تظهر في طريقه، وسيرى أن بركات الله تعالى سوف تمطر عليه باستمرار".
عندما أعود إلى مسجد مانشستر، دار الأمان (المكان الذي بدأت فيه رحلتي) أنظر إلى الأعلى لأقرأ على السقف "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب" (سورة الرعد: 29). عندما تنظر إلى الداخل، تدرك أن سلام القلب مع الله كان دائمًا يحدق بك مباشرةً.