خطاب أمير المؤمنين، حضرة ميرزا مسرور أحمد في ختام اجتماع لجنة إماء الله لعام 2022



 خطاب أمير المؤمنين، حضرة ميرزا مسرور أحمد في ختام اجتماع لجنة إماء الله لعام 2022

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.

بفضل الله، بعد مضي عدة سنوات متأثرة بكوفيد، أتيحت مرة أخرى للجنة إماء الله الفرصة لعقد اجتماعها الوطني بشكلٍ كامل، وآمل وأدعو الله أن تكن قد استفدتن بشكل كبير من برامجه المختلفة. يجب أن تتساءل عضوات لجنة إماء الله دائمًا ويفكرن ما هي أهداف منظمتهن المساعدة وماذا يعني أن يكنَّ جزءًا من لجنة إماء الله؟

عندما أسس حضرة المصلح الموعود (رضي الله عنه) لجنة إماء الله، أطلق عليها هذا الاسم بعد تفكير وتأمل كبيرين حيث أن لجنة إماء الله تعني حرفيًا خادمات الله تعالى. لذلك عندما تدخلن لجنة إماء الله وتتعهدن أن تكن خادمات لدينكن، يجب أن تفهمن مسؤولياتكن.

وفي المقام الأول، على جميع العضوات الانتباه لحماية إيمانهن؛ ويجب أن يسعين جاهدات للوصول إلى المستوى الروحي والرقي المطلوبين من المؤمن الحقيقي.

قال الله تعالى في القرآن الكريم مخاطبًا الأعراب الأميين من سكان البادية في ذلك العصر: "قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا". وهنا يأمر الله تعالى هؤلاء الأعراب أن يقولوا إنهم قد قبلوا الإسلام وصاروا مسلمين، ولا ينبغي أن يدّعوا أنهم آمنوا أو اكتسبوا إيمانًا حقيقيًا. وذلك لأن معيار الإيمان المطلوب من المؤمن الصادق يتجاوز بكثير مجرد قبول الإسلام. يمكن لأي شخص ينطق بالشهادتين أن يقول إنه مسلم، ولكن لا يمكن للجميع القول بأنهم مؤمنون أو أنهم قد اكتسبوا إيمانًا حقيقيًا. فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن الإسلام هو الدين الكامل لا تمثل إلا أبسط مستويات الإيمان.

ويتطلب الإيمان الكامل مستوى أعلى بكثير من التصديق والفهم ولا يمكن للمرء أن يصل إلى هذا المستوى إلا إذا اتبع جميع أوامر الله تعالى. لذا فإن الأمر الأول الذي يجب أن يتذكره جميع الأحمديين هو أن عليهم أن يحاولوا أن يصبحوا كاملين في إيمانهم وعقيدتهم.

في هذا الصدد، قال المسيح الموعود (عليه السلام): "المؤمنون هم الذين تشهد أعمالهم على إيمانهم، ويُكتب الإيمان في قلوبهم ويؤثرون ربَّهم ورضاه على كل شيء". لذا، فإن إيثار الإيمان على كل شيء آخر أمر أساس لبلوغ منزلة المؤمن. تذكرن أن إيثار الدين عهدٌ يقطعه كل أحمدي عند أخذ البيعة وهو أيضًا أمرٌ مشترك في جميع التعهدات الخاصة بكل منظماتنا الفرعية. ثم يقول المسيح الموعود (عليه السلام) عن المؤمنين أنهم "يختارون أدقَّ سبل التقوى من أجل الله تعالى، ويفنون في حبه".

فالمؤمنون الحقيقيون لا يسلكون الطريق بل يبقون راسخين على طريق التقوى، بغض النظر عن الضغوطات الدنيوية أو التحديات التي يواجهونها. إنهم يعتبرون الله تعالى كل شيء وإن وجودهم والغرض من حياتهم هو نيل رضاه تعالى. ومهما كانت علاقاتهم الشخصية أو رغباتهم الدنيوية، فإنها تتلاشى أمام حبهم لله.

يبذل الناس جهودًا كبيرة لرعاية أحبائهم أو تلبية احتياجاتهم الدنيوية، ولكن إذا أصبحت تلك العلاقات أو الاحتياجات أولويتهم، فوفقًا للمسيح الموعود (عليه السلام) لا يمكن لهؤلاء الناس أن يكونوا مخلصين في الإيمان.

ثم يقول المسيح الموعود (عليه السلام) عن المؤمنين الحقيقيين أنهم: "يتجنبون كل ما يمنع من الله تعالى كالوثن مِن سوء خُلقٍ أو فسق أو غفلة أو كسل"

نحن نعيش في مجتمع وزمان حيث توجد عند كل منعطف إغراءات تقود الإنسان إلى الخطيئة أو التصرف بطريقة تجلب غضب الله. في الواقع، لا يدرك الناس غالبًا أن سلوكهم خاطئ حتى. على سبيل المثال، لا يحافظ بعض الناس على علاقات جيدة مع جيرانهم ويفشلون في أداء حقوقهم. علاوة على ذلك، فإن الاستهزاء بشخص ما أو السخرية منه أمر خاطئ تمامًا.

وهناك عيب اجتماعي آخر يُلاحَظ أحيانًا في الاجتماعات أو التجمعات وهو أن السيدات يؤمّن المكان الجيد لهن ولأطفالهن للجلوس، ولكن إذا جاء طفل آخر إليهن، فإنهن يبعدنه أو يعبرن عن انزعاجهن، وقد لوحظ أيضًا أن الأم تقدم لطفلها وجبة خفيفة ولكنها لا تقدم شيئًا للأطفال الآخرين الجالسين بجوارهما، وبدلاً من أن تقدم لطفلها نموذجًا إيجابيًا عن المشاركة، تترك الأم الطفل الآخر محروما. إن هذا السلوك قمة في الأخلاق السيئة، وتذكرن دائمًا أنكن إذا فشلتن في إظهار اللطف للآخرين، فسوف يتعلم أطفالكن الأمر ذاته. وعلى العكس، إذا كنتن لطيفات ومراعيات لمشاعر الآخرين، فسوف يلاحظ أطفالكن ذلك بشكل تلقائي ويتعلمون منكن، وسوف تقمن بتربيتهم بأخلاقكن وحسن سلوككن.

في الآية القرآنية التي ذكرتها للتو يقول الله تعالى: "لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا" فهذا يعني أن المؤمن الحقيقي لا وجود له حتى يطيع الله تعالى طاعة كاملة. وفيما يتعلق بجماعتنا، فإن الطاعة الكاملة لله تعالى تتطلب أيضًا من المسلم الأحمدي أن يحترم الهيكل التنظيمي لجماعتنا، والمعروف باسم نظام الجماعة.

تذكرن، أن نظام جماعتنا قد تم إنشاؤه وتأسيسه من قبل خليفة الوقت، ومن خلال النظام تتم أعمال ومخططات مختلف الجماعات الوطنية والمنظمات بإذنه وموافقته. إذا كان المسؤول في الجماعة لا يعمل بشكل صحيح أو إذا كان سلوكه مقلقًا، فيجب إبلاغ المسؤولين عنه أو المشرفين عليه. ومع ذلك، فإن الجلوس في تجمع، سواء كان عامًا أو خاصًا، والتحدث ضد مسؤول أو الشكوى من الجماعة أو مواجهة الشخص الذي لديك مشكلة معه بصورة عدوانية، أمر خاطئ ومخالف لروح جماعتنا.

إن مثل هذا السلوك لا يمكن أن يفضي إلى أي شيء جيد، بل إنه سيسمح بالضغائن، وفي النهاية سيضعف إيمان المشتكي. وقد لوحظ أنه إذا فشل الأحمديون على المستوى المحلي في الاستماع إلى مسؤولي أقسام الجماعة المحلية أو لأولئك الذين تم تكليفهم بمستوى معين من المسؤولية، فإن ذلك يؤدي إلى مزيد من المعارضة، وفي نهاية المطاف، يبدأ هؤلاء في طرح الأسئلة أو الشكاوى ضد الخلافة الأحمدية ويفشلون في مراعاة إرشادات وتعليمات خليفة الوقت وفي النهاية يبتعدون عن دينهم ويفقدون إيمانهم. بالتأكيد، لا ينبغي تجاهل المظلمة أو الشكوى الحقيقية أو إغفالها وإخفاءها.

ومن ثم، يجب أن تدركن جميعًا أن عبادة الله أمر أساس في الدين والإيمان الحقيقيين. الصلاة هي حجر الزاوية لإصلاح الفرد، كما تعمل في الوقت نفسه على توحيد وتقوية الروابط الجماعية بين المسلمين.

وعلى الرغم من أن الصلاة في المسجد ليست فريضة على المرأة، فإن عليهن متى اجتمعن في صلاة العيد أو الصلاة في الاجتماع أو أي مناسبة أخرى أن يتأكدن من تسوية الصفوف كما أمر الله تعالى. علاوة على ذلك، عندما يتعلق الأمر بالجلسة أو الاجتماع أو برامج  اللجنة الأخرى، فلا يمكن صون هدف ووقار الحدث إلا إذا انتبهت الحاضرات تمامًا وعقدن العزم للتصرف بموجب كافة الأشياء الجيدة التي تعلّمنها.

إذا لم نتمكن حتى من الحفاظ على استقامة الصفوف أثناء الصلاة أو إذا مشينا أثناء الخطب في الجلسة أو الاجتماع وتجاهلنا طلب المسؤولات لنا بالتزام الصمت أو انخرطنا معهن بالجدال، فإن هذا انعكاس لشيء أعمق بكثير وأمرٌ مثير للقلق الشديد. وتدريجيًا سيتطور مثل هذا السلوك حتى يتخلى المرء عن إيمانه.

من المنظور الدنيوي، لدى الناس رغبة صادقة وجارفة للاستماع إلى أحبائهم وإرضائهم، بل إن هذا الحب غالبًا ما يجعلهم يحبون الأشخاص المقربين من أحبائهم، ولكن هذه الروابط البشرية لا تقارن بالحب الذي ندين به لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكما قلت مرارًا، فإن محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تتطلب منا بذل الجهد لتنفيذ أوامرهما.

لقد أصبح مجتمع اليوم منحلًا أخلاقيًا وفاسدًا روحيًا حيث تستمر الآثار الضارة لوسائل الإعلام الرئيسية ووسائل التواصل الاجتماعي في إبعاد الناس عن الدين والإيمان بالله. وحتى في المدارس، يتم تعليم الأطفال الصغار أشياء غير لائقة وغير أخلاقية، هم أصغر بكثير من أن يفهموها. ونتيجة لذلك يتم إعداد الأطفال منذ سن مبكرة من خلال مدارسهم والمجتمع الأوسع للتفكير بطريقة علمانية بعيدة عن القيم والتعاليم الدينية. وفي مثل هذه الظروف، يقع على عاتق الوالدين مسؤولية ضمان تربية أطفالهم أخلاقيًا. وفي هذه الأيام، حتى رسوم الأطفال المتحركة أو ألعاب الكمبيوتر تتضمن قصصًا أو شخصيات غير لائقة تمامًا تسلب براءة الأطفال. ويجب على الأطفال أنفسهم أيضًا أن يكونوا حذرين للغاية ويقظين عند رؤية رسومهم المتحركة ويجب على الآباء بالتأكيد مراقبتهم أثناء مشاهدة الرسوم المتحركة.

إن العواقب طويلة المدى للتعرض لمثل هذا الأمر خطيرة للغاية ويمكن أن تأخذ أجيالنا القادمة بسهولة بعيدًا عن الدين وعن القيم الأخلاقية. وبالتالي، على الوالدين أن يراقبوا عن كثب ما يُعرض لأطفالهم وأن يجابهوا التأثيرات الخارجية. يجب على الآباء الأحمديين خلق جو إسلامي بحت داخل منازلهم يتم فيه العمل بأوامر الله وإظهار أسمى الأخلاق. تذكروا أن الأطفال أذكياء جدًا وشديدو الانتباه، لذا لا ينبغي أن يكون هناك أي تناقض بين ما تعلمونه لهم وبين سلوككم وشخصيتكم.

بالتأكيد إذا فشل الآباء الأحمديون في غرس القيم والتعاليم الإسلامية في أنفسهم، فإن أطفالهم سيكبرون متأثرين بشدة بمادية وإلحاد مجتمع اليوم.

ووفقًا لذلك، من الضرورة بمكان أن يسعى الآباء الأحمديون بحرصٍ كبير لتحسين أنفسهم حتى يتمكنوا من تربية أطفالهم وإرشادهم بشكل صحيح.

كما قلت آنفًا، إذا تسبب أي مسؤول في الجماعة بالإساءة لك أو تصرف بطريقة لا ترينها صحيحة، فاسعي لحل المسألة بهدوء من خلال التحدث مباشرة إلى هذا الشخص أو إلى رئيسه؛ وإذا بقيت غير راضية عن النتيجة، فاكتبي إلى خليفة الوقت، ولكن لا تناقشي مثل هذه القضايا أمام أطفالك، وإلا سيكون لها تأثير ضار جدًا عليهم. وفي نهاية المطاف، ستنمي داخلهم كراهية للدين وسيتأثرون بالبريق السطحي للأشياء الدنيوية ويكونون هدفًا للتأثير الخاطئ للمجتمع.

تحدثن إلى أولادكن يوميًا وأخبرنهم بالأشياء التي تقربهم من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. وكما قلت مرارًا سابقًا، من الضروري أن يطور الآباء الأحمديون صداقة حقيقية وثقة متبادلة مع أطفالهم منذ نعومة أظفارهم. وفي حين أن هذه مسؤولية كلا الوالدين، تقع على عاتق الأمهات الأحمديات بشكل خاص مسؤولية إقامة علاقة محبة وثيقة مع أطفالهن وغرس القيم الدينية فيهم.

يجب أن تشجعن أطفالكن على التحدث إليكن بحرية وصراحة؛ فالأطفال فضوليون بطبيعتهم ومن واجب الأمهات الإجابة على أسئلتهم. إذا كانت الأم لا تعرف الإجابة، فعليها البحث عنها بدلاً من ترك السؤال دون إجابة. في هذا الصدد، يجب على الفتيات والنساء الأحمديات السعي لزيادة معرفتهن الدينية وأن يكن على دراية بالقضايا المعاصرة.

إذا قمتن بتوسيع معرفتكن، فسيؤدي ذلك أيضًا إلى زيادة إيمانكن. فاحرصن على تنمية اهتمام أطفالكن بالدين، واشرحن لهم سبب أهمية الدين وأنه يجب أن يكون موضع التقدير قبل كل شيء آخر. إن ضمان التربية الأخلاقية والروحية لأطفالكن مهمة جبارة وتحدٍ كبير للأحمديين الذين يترعرع أطفالهم في مجتمع اليوم، وعلى الأمهات لعب الدور الرئيس في هذا الجهد.

في كثير من الأحيان، يتم ذكر أسوة الصالحين في برامج جماعتنا، ولا يتم تقديمها كقصص من الماضي لتسليتنا، بل هي أسوة أسلافنا التي يجب أن ترشدنا وتلهمنا وأطفالنا لتولي مسؤوليات كوننا خدامًا مخلصين لديننا، ولنتعلم منهم ما هي الصفات والفضائل التي يجب على المسلمين تبنيها حتى نتمكن من الانضمام إلى صفوف المؤمنين الحقيقيين. على سبيل المثال المؤمنة هي التي تظل صادقة في جميع الظروف. عندما يتعلق الأمر بقول الحقيقة، يقنع الناس أنفسهم بأنه لا حرج من الكذب في بعض الأحيان أو ما يسمى بالكذبة البيضاء.

ولكن أي كذبة مهما كانت كبيرة أو صغيرة هي خطأ وإثم كبير. يعرف الكثيرون منا الحديث الشهير الذي ورد فيه أن شخصًا كان يعاني من نقاط ضعف وعيوب كثيرة، فجاء إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسأله عن العيب الذي يجب أن يمتنع عنه لأنه لم يظن أنه يستطيع ترك كافة الرذائل، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بالتخلي عن الكذب، فسُرّ هذا الشخص برد رسول الله صلى الله عليه وسلم وظن أنه سيكون من السهل عليه التوقف عن الكذب مع الاستمرار في ارتكاب الرذائل الأخرى، لكن هذا ألهمه لاحقًا أنه كلما فكر في فعل شيء غير أخلاقي أو خاطئ أوقف نفسه وفكر أنه إذا تم القبض عليه، فلن يكون أمامه خيار سوى الاعتراف بجريمته بسبب تعهده أمام النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم). ونتيجة لذلك، تحرر بمرور الوقت من كافة الشرور والرذائل التي كان يعاني منها في السابق. كان من الممكن أن يستمر في الكذب بسهولة ولكن بمجرد أن تعهد للنبي صلى الله عليه وسلم، صمم والتزم بتحقيقها، وانضم في النهاية إلى صفوف الصالحين ووصل إلى المستوى الحقيقي للمؤمن.

جميعكن الحاضرات في اجتماع اللجنة قد تعهدتن أيضًا من أجل دينكن، وعليكن السعي بجدية لتحقيق ذلك.

 للأسف، غالبًا ما يتم لفت انتباهي إلى القضايا الشخصية أو الأسرية بشأن الخلافات بين الأحمديين.

ليس الأمر أن السيدات اللاتي يتحدثن البنجابية أو الأردية فقط يكتبن إلي عن مثل هذه الأمور، بل السيدات اللواتي نشأن وتعلمن في الغرب يكتبن أيضًا للشكوى من سلوك أهل أزواجهن أو أفراد أسرهن، وأحيانًا يُدرجن أيضًا نظام الجماعة في شكواهن ويكتبن أن المسؤول الفلاني متحالف بشكل وثيق مع قريبهن وبالتالي فهو ليس محايدًا. في كثير من الأحيان، عندما يتم التحقيق في هذه الحالات بعناية، يتبين أن هناك درجة من المبالغة أو الكذب من كلا الجانبين، لو التزم كلا الطرفان في مثل هذه الأمور بالصدق فسيتم حل النزاع بطريقة أقل خلافية بكثير. وبالمثل، سيسهل على مسؤولي الجماعة أو دار القضاء اتخاذ القرار الصحيح. تنشأ الصعوبات عندما يبتعد الناس عن الحق ويزينون الحقيقة لجعل القضية لصالحهم، بغض النظر عما هو صحيح أو عادل.

تذكرن أنه لا يمكن أن تكون هناك بركات في الكذب لأن الله سبحانه وتعالى يعلم الحق. وهنا أكرر أن الكذب خطيئة من الدرجة الأولى ويمكن أن تدمر بسرعة سلام وسعادة الأسر وإلحاق أضرار جسيمة بجماعتكن. وفيما يتعلق بالآثار الضارة للباطل والكذب، سأقدم مثالًا آخر: في بعض الأحيان قد يقوم مسؤول بزيارة منزل أحد الأحمديين بشكل غير متوقع. النقطة الأولى هي أن على المسؤولين أن يحاولوا مراعاة راحة أعضاء الجماعة وظروفهم الشخصية، ولا ينبغي أن يتسببوا لهم بحرج غير ضروري، لذا يجب زيارتهم في وقت مناسب، ولكن إذا حدث أن زار الأحمديين أحد المسؤولين في وقتٍ غير مناسب، فلا يجب عليهم اللجوء إلى الكذب.

للأسف، في إحدى المناسبات أبلغ طفل والدته أن ضيفًا من الجماعة بالباب فأمرت الأم طفلها بالقول إنها ليست في المنزل. بالطبع، فإن غريزة الطفل الطبيعية هي التساؤل عن سبب طلب الأم منه الكذب.

على الرغم من تعليم بعض الأمور غير المناسبة للأطفال في المدارس، إلا أن أحد الأشياء الجيدة هو أن المدارس هنا تركز كثيرًا على قول الحقيقة. وبالتالي، إذا طلبت الأم من طفلها الكذب، فسيتشوش ولن يكون لهذا سوى تأثير ضار ودائم. إذا كان شخص ما في وضع لا يسمح له حقًا باستقبال ضيوفه، فعليه ببساطة الاعتذار والطلب من الضيف أن يأتي مرة أخرى، وهذه طريقة إسلامية تمامًا.

بيد أنه إذا لجأ الآباء إلى الكذب، فإن أبناءهم سيلاحظون النفاق فيهم؛ وسيرون أن الأم تقول لهم أن يتقربوا من الله وأن يلتزموا بالصدق والأخلاق الحميدة ولكنها من ناحية أخرى تفعل العكس. عند مراقبة مثل هذا السلوك المزدوج، سيفقد الأطفال الثقة في ما يقوله لهم آباؤهم وسيتمردون على ما يعلّمونه لهم وسيبتعدون في النهاية عن دينهم. في مثل هذه الظروف، يقع اللوم والمسؤولية على الوالدين فقط.

وهناك صفة وفضيلة أخرى أمر الله تعالى النساء المؤمنات بالالتزام بها ألا وهي التحلي بالصبر، بغض النظر عن الظروف. يجب على المؤمن أن يحافظ دائمًا على كرامته وأن يتحمل صراحة أي صعوبة أو ألم وأن يحافظ على ثقته بالله، على سبيل المثال، لا ينبغي أن تسمع المرأة الأحمدية شيئًا لا تحبه من طرف ثالث وبدون تفكير تلتقط الهاتف وتبدأ في الشجار أو إرسال رسائل مسيئة إلى الشخص الذي تشعر أنه قد أهانها، سواء كان من الأسرة أو غير ذلك. على الرغم أنه من الصحيح أن بعض السيدات السيئات الخلق قد انخرطن في الماضي في نقاشات وشجارات محتدمة حتى في برامج الجماعة كالاجتماع.

قد نفترض أن الناس في الغرب مثقفون جدًا، وبالتالي فإن مثل هذه الأشياء لا يمكن أن تحدث هنا. ولكنهم للأسف، يقومون بذلك من وقت لآخر. إنها ليست مسألة من الماضي فقط، وبالتالي علينا تحليل سلوكنا باستمرار وأن لا نفكر في أن بعض العادات أو أوجه القصور سائدة في الأشخاص من دول أو مناطق معينة فقط. في الواقع، نتيجة لتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت فإن الصفات غير اللائقة والممارسات غير الأخلاقية السائدة في جزء من العالم تعبر الحدود بسرعة لا تصدق.

ثم من خصال المؤمن الأخرى: التواضع. من السهل جدًا أن تقول إنك متواضع، لكن سلوك الشخص يدحض أحيانًا مثل هذه الادعاءات. على سبيل المثال، بعض الناس الذين يعتبرون أنفسهم متواضعين لا يدركون أن الطريقة التي يتحدثون بها مع الآخرين تسبب لهم الألم وتعكس غطرستهم وكبرياءهم. فيجب أن نكون حذرين وواعين في جميع الأوقات، أن لا نظهر أبدًا حتى أدنى درجة من درجات الكبر أو نعتبر أنفسنا أفضل من الآخرين. فحيث تسبب الغطرسة، من ناحية، الفوضى والهياج في المجتمع، فإنها تلعب أيضًا دورًا سلبيًا كبيرًا في التنشئة الأخلاقية لأطفالنا. وهذا أمرٌ يجب التفكير والتأمل فيه بجدية.

وثمة فضيلة أخرى مطلوبة من المؤمن وهي أن يكون منتظمًا في الصدقة والإنفاق في سبيل الله تعالى. بحمد الله يتصدق معظم أعضائنا بسخاء لمساعدة الفقراء والمحتاجين ويقدمون تضحيات كبيرة لتلبية احتياجات الجماعة من خلال التبرعات المالية.

الآن ومع تدهور الحالة الاقتصادية في العالم وتراجع الحالة المادية للناس، قد يرى البعض أن عليهم التركيز على احتياجاتهم الخاصة والتقليل من العطاء. في مثل هذه الظروف يجب أن نتذكر من هم في أمس الحاجة إلى مساعدتنا وأن نساعدهم وندعمهم قدر الإمكان.

وأما عن بركة التضحيات المالية، فقد ورد في حديث أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفِقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا".

ومن الأوامر الإسلامية الأساسية الأخرى: الحجاب، والذي غالبًا ما يتم انتقاده في عالم اليوم ومهاجمته من قبل أعداء الإسلام. ونتيجة لذلك، ترى بعض النساء المسلمات أنهن يتعرضن للقمع أو التمييز.

لقد أعطى المسيح الموعود عليه السلام، بناءً على تعاليم القرآن الكريم والنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، توجيهاتٍ كثيرة فيما يتعلق بالحجاب، وشرح سبب كونه مكونًا أساسيًا من مكونات المجتمع السلمي والمتناغم. أولاً: من الخطأ الافتراض أن الله تعالى قد أمر النساء فقط بالاحتشام، في الواقع، في القرآن الكريم، أمر الله تعالى النساء بغض أبصارهن وارتداء الحجاب، كما أمر الرجال بغض أبصارهم. لذلك، فإن القول بأن الرجل يتمتع بالحرية الكاملة بينما المرأة مظلومة أو مقيدة أمر خاطىء، وقد ظهرت مثل هذه المفاهيم الخاطئة بسبب التأثيرات الشيطانية والدنيوية التي تسعى إلى إبعاد النساء والفتيات المسلمات عن عقيدتهن. تقول بعض النساء إن من الصعب الالتزام بالحجاب في العالم الغربي، إن مثل هذا الموقف يعكس عقدة نقص لا داعي ولا مبرر لها.

في جلسة هذا العام، قدمت أمثلة على شابات عاملات من النساء الأحمديات، على سبيل المثال طبيبات يعملن وهن ملتزمات بحجابهن.

في تلك المناسبات التي سعى فيها أصحاب العمل إلى منعهن من ارتداء الحجاب، اتخذت النساء الأحمديات موقفًا وقلن إنهن لن يساومن في دينهن، ولن يخلعن الحجاب لمجرد إرضاء أصحاب العمل، ولن يتخلين عن حشمتهن من أجل مسارهن المهني، وقلن بوضوح إنهن يفضلن خسارة وظائفهن بدلًا من إجبارهن على ارتداء ملابس تتعارض مع معتقداتهن. وفي النهاية، بعد رؤية ذكائهن وبالتأكيد لإعجابهم بشجاعتهن في التصرف وفقًا لقناعاتهن، وبمعاييرهن الأخلاقية وحشمتهن، غيّر أرباب العمل رأيهم وسمحوا لهن بالعمل مرتديات الحجاب. لذا لا تستسلمن لضغوط الدنيا! إن أوامر الله خالدة، وإذا عملنا عليها، فعندها فقط يمكننا أن نعيش حياة راضية ونحمي أنفسنا وأجيالنا القادمة.

أود أيضًا أن أذكركن بأنه يجب أن تكن يقظات جدًا عند التنقل في عالم الإنترنت. ينشئ الناس ملفات تعريف على فيسبوك أو إنستغرام أو تيك توك أو سناب تشات أو تطبيقات الوسائط الاجتماعية الأخرى ويعرضون أو يشاركون صورهم ومقاطع فيديو شخصية ويشاركون في مناقشات أو محادثات تافهة. قد يعتقد المرء أنها طريقة غير ضارة لتمضية الوقت، لكن لمثل هذه الأشياء عادةَ الخروج عن السيطرة بسرعة وتؤدي إلى مجموعة من الرذائل الكبرى والعلل الاجتماعية وتضر بالصحة النفسية. حتى إذا نشرتِ شيئًا ما ببراءة، فهذا لا يعني أن الشخص الذي يرى صورة العرض الخاصة بك أو الذي تتحدثين معه بريء أو جدير بالثقة. على سبيل المثال، هناك حالات متزايدة للفتيان أو الرجال الذين يتلقون صورًا من النساء أو الفتيات ثم يبتزونهن فيما بعد بالتهديد أو بنشرها على الإنترنت أو بإساءة استعمالها إلا إذا لبين مطالبهم.

لذلك، قبل الانضمام إلى أية منصة اجتماعية، يجب أن تكوني حذرة جدًا وإذا كان عليك استخدامها لسبب معين مثل التعليم، فيجب عليك التأكد من الحفاظ على حشمتك في جميع الأوقات. لقد ذكر المسيح الموعود (عليه السلام) ذات مرة أن بعض الناس اقترحوا أن على النساء المسلمات التخلي عن الحجاب واتباع طرق اللباس الغربية وغير الإسلامية، فقال إن مثل هذه الجهود التي تشجع المسلمات على التوقف عن الالتزام بالحجاب جهود خاطئة وخطيرة. وفي شرحه لوجهة نظره، قال إن على معارضي الحجاب أن يقيّموا المعايير الأخلاقية لتلك الدول التي لا يوجد فيها مفهوم الحجاب، وبالإشارة إلى هذا، يمكننا بسهولة الحكم على المعايير الأخلاقية للمجتمع الغربي اليوم من خلال الحقيقة التي ذكرتها للتو.

في الدول الغربية، هناك اتجاه وحركة متنامية لتعليم الأطفال الصغار، في المدارس أو غيرها، أشياء تتجاوز استيعابهم تمامًا وغير مناسبة على الإطلاق لأعمارهم. إنهم يحاولون تعليم الأطفال الصغار الأبرياء الأمور الجنسية من خلال تدريسهم أشياء ليسوا مستعدين للتعامل معها. على مر التاريخ لم يتعرض الأطفال لمثل هذه الأشياء في مثل هذه السن المبكرة. فلماذا الآن هناك حاجة لإجبار الأطفال الصغار جدًا على مناقشة الجنس؟ لن يؤدي هذا إلا إلى تدمير براءة الصغار ولا بد أن يكون له آثار ضارة طويلة المدى.

لقد ذهب المسيح الموعود (عليه السلام) إلى حد تحدي معارضي الحجاب بالقول إنهم إذا تمكنوا من إثبات أن العيش في مجتمع حر تمامًا وخال من مفهوم الحجاب أو الحشمة سيؤدي إلى أخلاق وفضائل أفضل وأعظم، فمن المؤكد عندها أن من الممكن التخلي عن الحجاب وسيعترف بخطأه.

يقول المسيح الموعود (عليه السلام) "من الواضح تماما أنه إذا كان الرجل والمرأة شابّين وكان هناك تحرر وسفور أيضا، كم ستكون علاقاتهما خطيرة. من صفات الإنسان أنه كثيرا ما يسيء النظر ويُغلَب على أمره بسبب أهواء النفس".

ومن ثم، هناك حكمة هائلة وراء الأمر الإسلامي بالحجاب، فبدلاً من الافتراض بسذاجة أن الرجال والنساء لن تتغلب عليهم شهواتهم أبدًا، فإن تعاليم الإسلام تستند إلى حقيقة الطبيعة البشرية .وبالتالي، على سيداتنا وفتياتنا الأحمديات الحرص على أن يظل لباسهن محتشمًا وأن يلتزمن على الأقل بمعايير الحجاب الدنيا.

وفي النهاية أكرر القول أن الله قد قال إن الذين يذكرونه ويؤثرون دينهم هم المفلحون.

لذا أدّين صلواتكن باهتمام وتأملن في كل كلمة بدلاً من مجرد أداء الحركات أو ترديد كلمات الصلاة باللسان. إن لأدعية المرأة المخلصة قيمة هائلة، لذا ادعين دائمًا لأنفسكن ولأزواجكن ولأبنائكن ولمجتمعكن وجماعتكن؛ وصلين دائمًا واضعين في الحسبان أنكن تسجدن أمام الله الخالق وأنه وحده القادر على إزالة همومكن وكروبكن. إنه وحده القادر على رفعكن من المستوى الأساس لقبول الإسلام إلى مستويات المؤمن الحقيقي والراسخ حقًا في الإيمان. إنه تعالى وحده القادر بفضله ورحمته على إبقاء أبنائكن متمسكين بالإيمان ومتعلقين بالدين. وهو القادر على حماية أزواجكن من ارتكاب الآثام وهدايتهم إلى الصراط المستقيم. إذا تمكنت نساؤنا الأحمديات من أداء واجباتهن وأهدافهن، فسيتمكنّ بمشيئة الله من إحداث انقلابٍ أخلاقي وروحي عظيم في بيوتهن ومدنهن وبلدانهن وفي العالم بأسره.

وفقكن الله جميعًا لإحداث مثل هذه الثورة الروحية حتى تقول أجيال المستقبل في العالم إن الأمهات والفتيات الأحمديات في هذا العصر قد لعبن دورًا بارزًا في إنقاذهم وفي ضمان بقائهم على طريق النجاة الروحي الحقيقي. أدعو الله أن يوفقكن لتحقيق ذلك. وأدعوه تعالى أن يبارك في لجنة إماء الله من جميع النواحي آمين. انضممن إلي الآن في الدعاء الصامت.. آمين.