أم الدحداح الأنصارية رضي الله عنها



 أم الدحداح الأنصارية رضي الله عنها

هي صحابية جليلة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد آثرت نعيم الآخرة على متاع الدنيا.

أسلمت أم الدحداح حين قدم مصعب بن عمير رضي الله عنه المدينة سفيرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعو أهلها إلى الإسلام فأسلمت مع أسرتها كلها.

 زوجها الصحابي الجليل أبو الدحداح، ثابت بن الدحداح أو الدحداحة بن نعيم بن غنم بن إياس.

لما نزل قوله تعالى: "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا" قال أبو الدحداح: يا رسول الله أو إن الله تعالى يريد منا القرض؟ قال: "نعم يا أبا الدحداح" قال: أرني يدك، فناوله، فقال: فإني أقرضت الله حائطا (أي بستانًا) فيه ستمائة نخلة.

ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعياله، فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي، قد أقرضت ربي عز وجل حائطا فيه ستمائة نخلة.

وقال زيد بن أسلم: لما نزل: "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا" قال أبو الدحداح: فداك أبي وأمي يا رسول الله! إن الله يستقرضنا وهو غني عن القرض؟ قال: "نعم يريد أن يدخلكم الجنة به". قال: فإني إن أقرضت ربي قرضا يضمن لي به ولصبيتي الدحداحة معي الجنة؟ قال: "نعم" قال: فناولني يدك، فناوله رسوله الله صلى الله عليه وسلم يده. فقال: إن لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية، والله لا أملك غيرهما، قد جعلتهما قرضا لله تعالى.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعل إحداهما لله والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك" قال: فأشهدك يا رسول الله أني قد جعلت خيرهما لله تعالى، وهو حائط فيه ستمائة نخلة.

قال: "إذًا يجزيك الله به الجنة".

فانطلق أبو الدحداح حتى جاء أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشأ يقول: هداك ربي سبل الرشاد * إلى سبيل الخير والسداد بيني من الحائط بالوداد * فقد مضى قرضا إلى التناد أقرضته الله على اعتمادي * بالطوع لا منّ ولا ارتداد * إلا رجاء الضعف في المعاد * فارتحلي بالنفس والأولاد والبر لا شك فخير زاد * قدمه المرء إلى المعاد قالت أم الدحداح: ربح بيعك! بارك الله لك فيما اشتريت، ثم أجابته وأنشأت تقول: بشرك الله بخير وفرح * مثلك أدى ما لديه ونصح * قد متع الله عيالي ومنح * بالعجوة السوداء والزهو البلح * والعبد يسعى وله ما قد كدح * طول الليالي وعليه ما اجترح.

ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كم من عَذْقٍ رداح (أي نخلة ثقيلة) ودار فيّاح لأبي الدحداح". (تفسير القرطبي).

وفي رواية أخرى:

عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِفُلَانٍ نَخْلَةً وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا فَأْمُرْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي حَتَّى أُقِيمَ حَائِطِي بِهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ فَأَبَى فَأَتَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَقَالَ بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي فَفَعَلَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي قَالَ فَاجْعَلْهَا لَهُ فَقَدْ أَعْطَيْتُكَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَاحَ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ قَالَهَا مِرَارًا قَالَ فَأَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ اخْرُجِي مِنْ الْحَائِطِ فَإِنِّي قَدْ بِعْتُهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَتْ رَبِحَ الْبَيْعُ. (مسند أحمد).

ووردت القصة في "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" كالآتي:

أن يتيمًا خاصم أبا لبابة في نخلة فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة فبكى الغلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة أعطه نخلتك فقال لا فقال: " أعطه إياها ولك بها عذق في الجنة " . فقال لا. فسمع بذلك أبو الدحداح فقال لأبي لبابة: أتبيع عذقك ذلك بحديقتي هذه قال نعم فجاء أبو الدحداحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، النخلة التي سألت لليتيم إن أعطيته إياها ألي بها عذق في الجنة؟ قال: نعم ثم قتل أبو الدحداحة شهيداً يوم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رب عذق مذلل لأبي الدحداحة في الجنة". ولما نزلت: "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً " (البقرة: 245) كان أبو الدحداح نازلاً في حائط له هو وأهله فجاء إلى امرأته فقال: اخرجي يا أم الدحداح فقد أقرضته الله عز وجل فتصدق بحائطه على الفقراء والمساكين.