ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 25/11/2022



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 25/11/2022، حيث تابع الحديث عن سيدنا أبي بكر الصديق t وقال:

كان أبو بكر t من أشراف قريش ومن خيارهم، يستعينون به فيما نابهم، وكانت له بمكة ضيافات لايفعلها أحد. وكان رحيمًا ومشفقا على الفقراء والمساكين، اشترى عاما قطائف أتي بها من البادية، ففرقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء. وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا تحلب لنا منائح دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنها لكم وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه.

كان عمر بن الخطاب t يتعهد عجوزًا عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل فيسقي لها ويقوم بأمرها فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها وهو يومئذ خليفة.

عنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ قَالَ فَهُوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي فَلَا أَدْرِي قَالَ وَامْرَأَتِي وَخَادِمٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَبِثَ حَيْثُ صُلِّيَتْ الْعِشَاءُ ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ وَمَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ؟ قَالَ أَوَمَا عَشَّيْتِيهِمْ؟ قَالَتْ أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ قَالَ فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ فَقَالَ يَا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ وَقَالَ كُلُوا لَا هَنِيئًا فَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا وَايْمُ اللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ مَا هَذَا قَالَتْ لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الْآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ يَعْنِي يَمِينَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ فَمَضَى الْأَجَلُ فَفَرَّقَنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ.

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِسَائِلٍ يَسْأَلُ فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزٍ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخَذْتُهَا مِنْهُ فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ.

يقول سيدنا المصلح الموعود t:

كان عبد الرحمن بن أبي بكر t أيضا أهلا بالخلافة وقال الناس إن طبعه ألين من عمر t وهو ليس أقل كفاءة منه، لذا يجب أن يكون هو الخليفة بعدك، ولكن أبا بكر t اختار عمر t ليتولى الخلافة، وذلك على الرغم من الخلاف بين طبيعة عمر وأبي بكر رضي الله عنهما. إذن، لم يستفد أبو بكر t من الخلافة على المستوى الشخصي بل كان يرى أن الفضل يكمن في خدمة الخلق فقط.

لقد روى الصوفية أن عمر t سأل خادم أبي بكر t بعد وفاته: ما هي الأعمال الصالحة التي كان يكسبها سيدُك لأكسبها أنا أيضا. فذكر الخادم من جملة الأعمال أن أبا بكر t كان يذهب بالخبز إلى جانب كذا، وكان يأمرني أن أقف في مكان وهو يواصل المشوار، ولا يسعني أن أقول ماذا كان هدفه من ذهابه إلى هناك. فذهب عمر t بالطعام إلى الجانب الذي أشار إليه الخادم، ورأى هنالك شخصا ضريرا معاقا مبتور الأطراف جالسا في مغارة. جعل عمر t لقمة في فم الشخص المعاق فبكى وقال: رحم الله أبا بكر، كم كان إنسانا بارًّا! قال عمر t: كيف علمتَ أن أبا بكر t مات؟ قال: ليس في فمي أسنان فكان أبو بكر يمضغ اللقمة قبل أن يضعها في فمي. أما اليوم فقد تلقيتُ لقمة قاسية فخطر ببالي أن ملقِّن هذه اللقمة ليس أبو بكر بل هو غيره. وإضافة إلى ذلك لم يقطع أبو بكر سلسلة مجيئه إلي قط، أما الآن فلما حصل الانقطاع توجستُ أنه ليس موجودا في هذا العالم حتما.

إذن، ماذا استفاد أبو بكر t من الـحُكم؟ هل عدّ أموال الحكومة أموالَه؟ أو هل عدّ أملاكا حكومية مِلكا له؟ كلا، بل كل ما حصل عليه أقاربه كان من أملاكه الشخصية.

كان t يحب أن يستر الناس وكان يقول: لو أخذت سارقا لأحببت أن يستره الله، وكان يتمتع بالشجاعة والبسالة في سبيل الإسلام: ففي أثناء فترة الحصار المتدة على ثلاث سنين في شعب أبي طالب وقف مع النبي r بكل ثبات ورباطة الجأش.

وبالنظر إلى شجاعته t وبسالته سأل عليٌّ t الناسَ ذات مرة: أيها الناس، يا أيها الناس من أشجع الناس؟ فقالوا أنت يا أمير المؤمنين، فقال أما إني ما بارزني أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر، إنا جعلنا لرسول الله r عريشا فقلنا من يكون مع رسول الله r لئلا يهوي إليه أحد من المشركين، فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرا بالسيف على رأس رسول الله r لا يهوي إليه أحد إلا أهوى إليه فهذا أشجع الناس.