ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 09/12/2022
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في التاسع من ديسمبر، حيث ذكر اقتباسات من كلام سيدنا المسيح الموعود u حول سيدنا أبي بكرt ومنها قوله:
"إن الصدّيق والفاروق كانا أميرا ركبٍ علوا لله قُننًا عُلى ودعوا إلى الحق أهل الحضارة والفلا، حتى سرت دعوتهم إلى بلاد قصوى، وقد أُودعت خلافتهما لفائف ثمرات الإسلام، وضُمِّخت بالطِيب العميم بأنواع فوز المرام. وكان الإسلام في زمن الصدّيق متألّما بأنواع الحريق، وشارفَ أن تُشنّ على سِرْبِه فوج الغارات، وتَنَادَى عند نهبه يا للثارات، فأدركه الرب الجليل بصدق الصدّيق، وأخرج بَعاعه من البئر العميق، فرجع إلى حالة الصلاح من مَحْلةٍ نازحة، وحالةٍ رازحة، فأوجب لنا الإنصاف أن نشكر هذا المعين ولا نُبالي المعادين. فإياك أن تلوي عذارك عمن نصر سيدك ومختارك، وحفظ دينك ودارك، وقصد لله فلاحك وما امتار سماحك. فيا للعجب الأظهر! كيف يُنكَرُ مجدُ الصدّيق الأكبر، وقد برقت شمائله كالنيّر؟ ولا شك أن كل مؤمن يأكل أُكُلَ غَرْسه، ويستفيض من علوم درسه. أعطى لديننا الفرقان، ولدنيانا الأمن والأمان، ومن أنكره فقد مان ولقي الشيط والشيطان. والذين التبس عليهم مقامه فما أخطأوا إلا عمدًا، وحسبوا الغدق ثمدًا، فتوغروا غضبًا، وحقروا رجلاً كان أوّلَ المكرمين.
وإن نفس الصدّيق كانت جامعة للرجاء والخوف، والخشية والشوق، والأنس والمحبة. وكان جوهر فطرته أبلغ وأكمل في الصفاء، منقطعًا إلى حضرة الكبرياء، مفارقا من النفس ولذاتها، بعيدًا عن الأهواء وجذباتها، وكان من المتبتلين. وما صدر منه إلا الإصلاح، وما ظهر منه للمؤمنين إلا الفلاح. وكان مبرَّأً من تهمة الإيذاء والضير، فلا تنظر إلى التنازعات الداخلية، واحملها على محامل الخير. ألا تُفكر أن الرجل الذي ما التفت من أوامر ربه ومرضاته إلى بنيه وبناته، ليجعلهم متمولين أو مِن أحد وُلاته، وما كان له من الدنيا إلا ما كان ميرةَ ضروراته، فكيف تظن أنه ظلم آل رسول الله".
وقال عليه السلام أيضًا:
"ورحم الله الصدّيق، أحيا الإسلام وقتل الزناديق، وفاض بمعروفه إلى يوم الدين. وكان بَكّاءً ومن المتبتلين. وكان من عادته التضرع والدعاء والاطّراح بين يدي المولى والبكاء والتذلّل على بابه، والاعتصام بأعتابه. وكان يجتهد في الدعاء في السجدة، ويبكي عند التلاوة، ولا شك أنه فخر الإسلام والمرسلين. وكان جوهره قريبًا من جوهر خير البريّة، وكان أول المستعدّين لقبول نفحات النبوة، وكان أول الذين رأوا حشرا روحانيا مِن حاشرٍ مثيلِ القيامة، وبدّلوا الجلابيب المتدنسة بالملاحف المطهرة، وضاهى الأنبياء في أكثر سير النبيين. ولا نجد في القرآن ذكر أحد من دون ذكره قطعا ويقينا إلا ظن الظانين، والظن لا يُغني من الحق شيئا ولا يروي قومًا طالبين. ومن عاداه فبينه وبين الحق باب مسدود، لا ينفتح أبدًا إلا بعد رجوعه إلى سيِّد الصدِّيقين".
وقال المسيح الموعود u أيضًا:
"كان t عارفا تامَّ المعرفة، حليم الخلق رحيم الفطرة، وكان يعيش في زيّ الانكسار والغربة، وكان كثير العفو والشفقة والرحمة، وكان يُعرف بنور الجبهة. وكان شديد التعلق بالمصطفى، والتصقت روحه بروح خير الورى، وغَشِيَه من النور ما غَشِىَ مقتداه محبوب المولى، واختفى تحت شعشعان نور الرسول وفيوضه العظمى. وكان ممتازًا من سائر الناس في فهم القرآن وفي محبة سيد الرسل وفخر نوع الإنسان. ولما تجلى له النشأة الأخروية والأسرار الإلهية، نفَض التعلقات الدنيوية، ونبَذ العُلق الجسمانية، وانصبغ بصبغ المحبوب، وترك كل مُراد للواحد المطلوب، وتجردت نفسه عن كدورات الجسد، وتلونت بلون الحق الأحد، وغابت في مرضاة ربّ العالمين. وإذا تمكن الحبُّ الصادق الإلهي من جميع عروق نفسه، وجذر قلبه وذرات وجوده، وظهرت أنواره في أفعاله وأقواله وقيامه وقعوده، سُمّي صدّيقًا وأُعطي علمًا غضا طريّا وعميقا، من حضرة خير الواهبين. فكان الصدق له ملكة مستقرة وعادة طبعية، وبدت فيه آثاره وأنواره في كل قول وفعل، وحركة وسكون، وحواس وأنفاس، وأُدخل في المنعمين عليهم من رب السماوات والأرضين. وإنه كان نُسخة إجمالية من كتاب النبوة، وكان إمام أرباب الفضل والفتوة، ومن بقية طين النبيين.
ولا تحسب قولنا هذا نوعًا من المبالغة ولا من قبيل المسامحة والتجوز، ولا من فور عين المحبة، بل هو الحقيقة التي ظهرت عليَّ من حضرة العزة. وكان مشربه t التوكل على رب الأرباب، وقلة الالتفات إلى الأسباب، وكان كظلٍ لرسولنا وسيدنا r في جميع الآداب، وكانت له مناسبة أزلية بحضرة خير البرية، ولذلك حصل له من الفيض في الساعة الواحدة ما لم يحصل للآخرين في الأزمنة المتطاولة والأقطار المتباعدة. واعلم أن الفيوض لا تتوجه إلى أحد إلا بالمناسبات، وكذلك جرت عادة الله في الكائنات، فالذي لم يُعطه القسّام ذرة مناسبة بالأولياء والأصفياء، فهذا الحرمان هو الذي يُعبَّر بالشقوة والشقاوة عند حضرة الكبرياء. والسعيد الأتم الأكمل هو الذي أحاط عادات الحبيب حتى ضاهاه في الألفاظ والكلمات والأساليب. والأشقياء لا يفهمون هذا الكمال كالأكمه الذي لا يرى الألوان والأشكال، ولا حظ للشقي إلا من تجليات العظموت والهيبة، فإن فطرته لا ترى آيات الرحمة، ولا تشم ريح الجذبات والمحبة، ولا تدري ما المصافاة والصلاح، والأنس والانشراح، فإنها ممتلئة بظلمات، فكيف تنـزل بها أنوار بركات؟ بل نفس الشقي تتموج تموُّجَ الريح العاصفة، وتشغله جذباتها عن رؤية الحق والحقيقة، فلا يجيء كأهل السعادة راغبا في المعرفة. وأما الصدّيق فقد خُلق متوجّها إلى مبدأ الفيضان، ومقبِلا على رسول الرحمن، فلذلك كان أحق الناس بحلول صفات النبوة، وأولى بأن يكون خليفة لحضرة خير البرية، ويتحد مع متبوعه ويوافقه بأتم الوفاق، ويكون له مظهرًا في جميع الأخلاق والسير والعادة وترك تعلقات الأنفس والآفاق، ولا يطرأ عليه الانفكاك بالسيوف والأسنة، ويكون مستقرا على تلك الحالة ولا يزعجه شيء من المصائب والتخويفات واللوم واللعنة، ويكون الداخل في جوهر روحه صدقا وصفاء وثباتا واتقاء، ولو ارتد العالم كلّه لا يُباليهم ولا يتأخر بل يقدم قدمه كل حين".