ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 16/12/2022



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 16/12/2022، حيث قال:

إن مؤيدي الإلحاد يشنون الهجوم على وجود الله ويحاولون بوسائل مختلفة إبعاد الناس عن الله وعن الدين، وفي هذه الأوضاع تؤثر على المسلمين وعلى بعض أفراد جماعتنا هذه الأفكار فتتولد الشبهات في قلوبهم، فإذا واجه مثل هؤلاء ابتلاءً ولم يخلصهم الدعاء منه، يخطر ببالهم إما أن ديننا خطأ ولا أصل له أو أن الله لا يرحم الناس ولا يستجيب الدعاء أو أنه ظالم والعياذ بالله! ولكن على مثل هؤلاء أن يفكروا في مستواهم الروحاني والإيماني وإلى أي حدٍ قد رفعوا مستوى دعائهم؟

لقد بين المسيح الموعود u أن علينا أن ندعو الله في السراء والضراء حيث قال:

"إن الله يرحم مَن يخاف في الأمن كما يخاف عند حلول المصيبة. من لا ينسى الله في الأمن لا ينساه الله في المصيبة. أما الذي يقضي زمن الأمن في الملذات ثم يدعو الله وقت المصائب لا تجاب أدعيته. عندما ينزل عذاب الله يُغلق باب التوبة. فما أسعد الذي يعكف على الدعاء قبل نزول عذاب الله ويتصدق ويعظّم أمر الله ويشفق على خلق الله ويكسب الأعمال على أحسن وجه. هذه هي أمارات السعادة."

وعن استجابة الدعاء يقول المسيح الموعود u:

"إن مَثل الدعاء كمثل زارع يزرع البذور في حقله، يبدو في الظاهر أنه وارى الغلال المفيدة تحت التراب. هل لأحد أن يفهم حين ذاك أن تلك الحبة ستتحول إلى نبتة جيدة وتنمو وتثمر؟ لا يرى العالم الخارجي ولا الزراع كيف تتحول تلك الحبة تحت الأرض رويدا رويدا إلى نبتة، والحقيقة هي أن الحبة نفسها تتحول في باطن الأرض بعد أيام قلائل إلى نبتة فتظهر خضرتها على الأرض فيراها الناس الآخرون أيضا، انظروا الآن أن تلك الحبة عندما بُذرت في الأرض بدأت تستعد منذ الساعة نفسها أن تتحول إلى نبتة ولكن النظرة الظاهرية لا تدرك ذلك قط، والآن حين تظهر خضرتها يراها الجميع، فالطفل الصغير لا يعرف حينها أنها ستحمل الثمار في وقتها بل يتساءل لماذا لا تحمل الثمار الآن؟ ولكن الزارع الفطين يعرف جيدا متى ستثمر فيستمر في رعايتها والاهتمام بها بالصبر حتى يأتي وقت تحمل فيه ثمارا وتنضج أيضا. والحال نفسه ينطبق على الدعاء وينمو الدعاء بالطريقة نفسها ويثمر. إن المستعجلين يكلّون ويملّون قبل الأوان أما الصابرون الذين يترقبون المآل يثابرون في ذلك فينالون مرامهم".

وعن مراحل الدعاء يقول حضرته u:

"الحق أن في الدعاء مراحل ومراتب كثيرة وبسبب جهلها يحرم الداعون أنفسَهم بأنفسهم لأنهم يستعجلون ولايصبرون مع أن أعمال الله كلها تتسم بالتدريج. لا يحدث أبدا أن يتزوج الإنسان اليوم ويولَد له الولدُ غدا مع أن الله تعالى قادر أن يفعل ما يشاء ولكن لا بد من أن يتخذ القانون والنظام الذي سنّه الله تعالى مساره. فلا يُعلم شيء في البداية مثلما يحدث في حالة النباتات؛ فلايسع أحدا أن يقول شيئا على وجه اليقين إلى أربعة أشهر ثم تُشعَر حركة خفيفة بعد ذلك. وبعد مرور المدة الكاملة يولد الولد بعد تحمل مصائب جمة، إن ولادة الولد إنما هي بمنزلة ولادة الأم أيضا من جديد. لعلّ الرجال لايستطيعون أن يقدّروا الصعوبات التي تتحملها المرأة أثناء الحمل، ولكن صحيح تماما أن المرأة أيضا تنال حياة جديدة. فكروا الآن أن المرأة تقبل الموت لنفسها أولا من أجل الأولاد ثم تحظى بالفرح والسعادة بعد ذلك.

كذلك من واجب الداعي أن يتخلى عن العجلة والتسرع ويواظب على احتمال المشاق كلها ولا يزعمنّ أن الدعاء ما أُجيب. بل يأتي أخيرا وقت حين تظهر نتيجة وكأن الولد المراد قد وُلد.

فمن الضروري أن يبلّغ المرء الدعاء إلى المقام والدرجة التي يسفر فيها عن نتيجة. كما أنه عندما نضع قطعة قماش تحت العدسة وتتركز عليها أشعة الشمس وتصل حرارتها وحدَّتها درجة تحرق القماش فيحترق دفعة واحدة. كذلك من الضروري أن يبلغ الدعاء أيضا مبلغا ينال فيه قوة على حرق كل أنواع الخيبة ويحقق المرام والمقصود.

لابد للإنسان من أن يستمر في الدعاء إلى مدة طويلة ثم يُظهر الله تعالى النتيجة في نهاية المطاف. لقد جربت شخصيا وكذلك تشهد تجربة السلف الصالح أيضا أنه إذا طال السكوت إلى فترة طويلة في أمر معين كان هناك أمل في النجاح. والأمر الذي يُردّ فيه سريعا لا يكاد يتم. نرى في الدنيا بوجه عام أن المتسول عندما يصل إلى باب ويتسول بكل تواضع واضطراب ويسمع مقابل ذلك كلاما قاسيا لبعض الوقت ومع ذلك لايترك مكانه بل يكرر المساءلة يخجل صاحب البيت في النهاية ويعطيه شيئا مهما كان بخيلا. أفلا يجب أن يتحلى الداعي بالمثابرة مثل المتسول العادي على الأقل؟ إن الله كريم وحييٌّ فحين يرى أن عبده المتواضع ساقط على عتباته منذ مدة فلا يجعل عاقبته سيئة. أما إذا واجه أحد عاقبة سيئة فلسوء ظنه. فمثلا لو قالت حامل بعد أربعة أو خمسة أشهر: لماذا لم يولد الولد إلى الآن، وتناولت أدوية مُجْهِضة تحقيقا لرغبتها فهل سيولد الولد أم أنها ستواجه حالة اليأس والقنوط؟ كذلك إن الذي يستعجل قبل الأوان يتكبد الخسارة دائما، ولا يقتصر الأمر على الخسارة فقط بل يتضرر إيمانه أيضا حتى يُلحد بعض الناس في هذه الحالة".