ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 12/05/2023



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 12/05/2023، والتي استهلها بقوله تعالى:

"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"

ثم قال:

في هذه الأيام تعقد مجالس الشورى في مختلف فروع الجماعة وفي مختلف البلدان.

لقد ذكر الله تعالى في الآية آنفة الذكر أن النبي ﷺ كان لين القلب جدًا مع أفراد أمته، كما نبهنا أيضا أن من واجب الذين تناط لهم بعض المسؤوليات لإنجاز مهمة الرسول ﷺ والذين يؤمنون بخادمه البار، المسيح الموعود عليه السلام أن يعملوا برفق ومحبة لأن الله يقول "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"، وبحسب هذا التعليم تعقد مجالس الشورى ولكن هذا المجلس هو لتقديم المشورة وليس لاتخاذ القرار، ولذلك قال الله تعالى إن عليك أن تعمل بالقرار الذي تتخذه بعد الاستشارة متوكلًا على الله، وعندها سيبارك الله في نتائج هذا القرار. وأكبر مثال للتوكل هو الرسول ﷺ ففي كثير من الأمور كان الله يرشد النبي ﷺ مباشرة ولكنه كان يستشير في الأمور التي لم يكن فيها أمر واضح من الله تعالى.

وهذا الأمر الإلهي يرشدنا أيضا أن على المسؤولين في الجماعة أن يعاملوا أبناء الجماعة بحبٍ ورفق وتشاور. ومن فضل الله تعالى ومنته على جماعتنا أنه أنعم عليها بنعمة الخلافة لذلك فالخليفة أيضا بحسب أمر الله وسنة الرسول ﷺ يستشير فروع الجماعة المنتشرة في العالم بحسب ظروفهم.

لا شك أن الله تعالى لو أراد لأرشد النبي ﷺ مباشرة في كل أمر، ولكنه أمره صلى الله عليه وسلم بمشاروة صحابته في بعض الأمور وهذا في الحقيقة  تعليم لنا للسير على الصراط المستقيم ويرشدنا كيف علينا أن نعمل بهدف توحيد الأمة.

عن ابن عباس رضي الله عنه أنه لما نزلت "وشاورهم في الأمر"، قال رسول الله ﷺ "أما أن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشدا، ومن تركها لم يعدم غيا".

فالرسول ﷺ كان غنيًا عن هذه الاستشارة، ومع ذلك استشار صحابته لكي يقدم أسوته فتستنير بها الأمة لتنال حظها من فضل الله ورحمته وتسير على سبل الهدى وتنجو من الذل والهوان.

من فضل الله علينا خاصة أن لدينا نظام الشورى، فعلى كل أحمدي عمومًا وكل عضو في الشورى خصوصًا أن يقدرها ويشكر الله أنه هيأ لنا أسباب الرشد والهدى.

لقد اتبع الخلفاء الراشدون وكذلك المسيح الموعود عليه السلام في هذا العصر الطرق التي كان النبي ﷺ يستشير بها، وعمومًا هناك ثلاثة طرق للاستشارة أولها إن كان هناك أمر لا بد من الاستشارة فيه، كان أحد الصحابة يعلن بين الناس، فكانوا يجتمعون وبعد ذلك يتم التشاور وكان الرسول ﷺ وأصحابه يعملون بحسب القرار الذي اتخذه وكان يعلن أن هذا هو القرار الذي اتخذناه ويجب العمل به. ولأن النظام كان قبليًا، فقد كانت القبائل تجتمع ويقدم سيدها الرأي وكان أبناء القبيلة يرضون أن يقدم زعيمهم الرأي نيابة عنهم وإذا أراد أحد أن يقدم رأيه خلافًا له أو بدونه، كان النبي ﷺ يأمره أن يذهب لزعيم قبيلته وأن يطلب منه أن يقدم الرأي نيابة عن القبيلة. والطريقة الثانية هي أن النبي ﷺ كان يدعو من يراهم أهلًا لتقديم المشورة. والطريقة الثالثة هي أن النبي ﷺ كان يستشير أحيانًا شخصًا على انفراد ثم الثاني ثم الثالث إذا ارتأى أنه لا داعي لاجتماع الجميع في مجلس واحد.

كما ذكرت آنفًا، قد بيّن النبي ﷺ أن الله ورسوله في غنى عن المشورة، ومع ذلك نرى في التاريخ أنه ﷺ قد استشار الصحابة كثيرا فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما رأيتُ أحدًا قطُّ كان أكثرَ مشورةً لأصحابِه من رسول الله".

فما دام النبي ﷺ الذي كان يسترشد من الله مباشرة يستشير فكم بالحري أن نعرف نحن أهمية الاستشارة وأن نقوم بها.

إن مهمة المسيح الموعود عليه السلام ليست عملًا يسيرًا، وإيصال رسالة الإسلام للعالم كله وجعله عابدًا لله تحتاج لعمل دؤوب. والشورى تعقد في فروع الجماعة في العالم لكي نخطط للتغيير في أنفسنا ولإيصال رسالة الله للعالم كله ونجعله أمة واحدة ونجمعه تحت راية النبي ﷺ ونحدث انقلابًا روحيًا حقيقيًا، ولهذا كله نحتاج للمصروفات، فيجب أن تضعوا خطتكم المالية لننجز أكثر ما يمكن بأقل تكلفة ممكنة. فيجب أن نضع خططًا لنشر الإسلام أكثر بكثير، بإنفاق أموال قليلة. ولا يمكننا ذلك إلا إذا فهمنا حقيقة أن علينا أن نسلك سبل التقوى ونؤدي مسؤولياتنا ملتزمين بالتقوى وندرك أن خدمة الإسلام فضلٌ من الله تعالى.

يقول المسيح الموعود عليه السلام:

يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ويقول: "وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ"

أي أنكم إذا تمسكتم بالتقوى فإن ذلك النور سيعمّ أفعالكم وأقوالكم وقواكم وحواسكم. فسيكون في عقولكم نور وفي كل ما تقولونه تقديرا نور، وفي عيونكم نور، وفي آذانكم نور وفي لسانكم نور، وفي كلامكم نور، وفي كل حركة من حركاتكم وسكناتكم نور. والسبل التي تسلكونها ستصبح نورانية. فباختصار، ستُملأ كافة قواكم وحواسكم نورا وستمشون في النور كليا.

ندعو الله أن يوفقنا للتمسك بالتقوى من أجل خدمة الدين آمين.