ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من مسجد بيت الفتوح في لندن، في 02/06/2023
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من مسجد بيت الفتوح في لندن، في 02/06/2023، حيث قال:
سأذكر اليوم الأسباب التي أدت لنشوب معركة بدر وسنرى جوانب من سيرة النبي ﷺ وتعاليمه الجميلة:
كانت الفظائع التي لحقت بالمسلمين في مكة من قبل قريش سببًا كافيًا لوقوع حرب بين أي دولتين في أي عصر، فقد تعرض المسلمون للاضطهاد، واغتصبت ثرواتهم وتمت مقاطعتهم ومحاولة قتلهم، واستشهد بعضهم وأهينت نساؤهم، فهاجر العديد منهم إلى الحبشة. ومع ذلك، لم تهدأ قريش وأرسلت وفدًا إلى الملك النجاشي لإعادتهم حتى يردوهم عن دينهم أو يقضوا عليهم.
وتعرض رسول الله ﷺ لكل أنواع المعاناة، فقد قام حلفاء قريش برشقه بالحجارة في الطائف حتى غرق جسده الشريف بالدم. ثم قرر ممثلو قبائل قريش اغتيال رسول الله ﷺ، حتى يتم القضاء على كل أثر للإسلام. فقام شباب من قبائل قريش المختلفة بمهاجمة منزل النبي ﷺ ليلا، لكن الله حماه وخرج من منزله ولجأ إلى غار ثور.
ألم تكن هذه الفظائع بمثابة إعلان حرب من قبل قريش؟ هل يمكن لأي عاقل القول إن قريشًا لم تكن في حالة حرب مع المسلمين؟ أليست وحشية قريش سببًا كافيًا لتبرير حرب المسلمين الدفاعية؟ لو كانت هناك أمة أخرى مكان المسلمين، لدخلت ميدان المعركة ضد قريش قبل ذلك بكثير. ومع ذلك، فقد أمر النبي ﷺ المسلمين بالتحلي بالصبر والعفو وقال: "إني أُمرت بالعفو فلا تقاتلوا".
وهكذا تحمل الصحابة كل ألم وإهانة في سبيل الدين، متمسكين بأهداب الصبر. وعندما زاد الاضطهاد، أمر الله نبيه بمغادرة مكة.
كانت هجرة النبي ﷺ بمثابة زيت صُبّ على نار عداوة قريش فقد تحمسوا أكثر لمحو الإسلام. فبالإضافة إلى الاضطهاد والاستبداد بفقراء وضعفاء المسلمين الذين بقوا في مكة، فقد قاموا بمسح كل شبر من وادي بكة بحثًا عن النبي ﷺ ووصلوا إلى غار ثور. إلا أن الله تعالى وضع غشاوة على عيونهم، فعادوا محبطين. فأعلنوا أن من يعيد محمد ﷺ - حيًا أو ميتًا - سيحصل على مكافأة قدرها مائة إبل، فانطلق العديد من الشبان من مختلف القبائل للبحث عن النبي ﷺ طمعًا في المكافأة.
إذا فكر المرء في اندلاع حرب بين دولتين، فهذا السبب يكفي، حيث تم تعيين مكافأة لقاء أسر أو قتل سيد وقائد الطرف الآخر.
وعندما فشل هذا المخطط أيضًا ووجدت قريش أن النبي ﷺ قد وصل إلى المدينة المنورة سالمًا، أرسلت خطاب تهديد إلى زعيم المدينة المنورة، عبد الله بن أبي بن سلول ورفاقه جاء فيه:
"إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم"
انتاب القلق المهاجرون والأنصار، فذهب النبي ﷺ إلى عبد الله بنفسه وقال له: "أهلك وأقاربك معي، هل ستقاتلهم؟".
وفي تلك الأيام ذهب سعد بن معاذ، زعيم الأوس، إلى مكة لأداء العمرة، فقال له أبو جهل "لقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتغيثونهم".
وفي نفس الوقت تقريبًا مرض الوليد بن المغيرة، وعندما أدرك أن نهايته اقتربت بدأ يبكي، فسأله زعماء مكة عن السبب فقال: "أنا لا أبكي خوفًا من الموت، بل خوفًا من أن ينتشر دين محمد وتمتد سلطته إلى مكة" فطمأنه أبو سفيان: "لا تحزن، لن يحدث هذا مازلنا على قيد الحياة، ونحن نضمن لك ذلك"
عندما رأى زعماء قريش رفض الأوس والخزرج التخلي عن حماية النبي ﷺ وخافوا من تجذر الإسلام في المدينة، بدأوا بتحريض القبائل الأخرى في الجزيرة العربية ضد المسلمين، فلقريش تأثير كبير عليهم بسبب وصايتها على الكعبة، وهكذا أصبحت العديد من القبائل أعداء لدودين للمسلمين وصارت المدينة وكأنها محاطة بنار مستعرة. ووصفت حالة المسلمين في في ذلك الوقت في القرآن الكريم:
{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
وفي مثل هذه الظروف، أذن الله للمسلمين بالقتال دفاعًا عن النفس، وقد لجأ النبي ﷺ إلى بعض التدابير التي تهدف إلى توطيد الأمن:
1. قام بزيارة القبائل المجاورة من أجل إبرام معاهدات معها، وهو ما يجعل المدينة المنورة آمنة من هجماتهم. واهتم خصوصًا بالقبائل التي تعيش قرب طريق القوافل إلى الشمال.
2. بدأ بإرسال حملات استطلاعية صغيرة في اتجاهات مختلفة من المدينة المنورة حتى يتم الحصول على معلومات عن تحركات ومخططات قريش وحلفائها، حتى لا يتفاجأ بها المسلمون.
3. إحدى الوسائل الرئيسية التي استخدمتها قريش لغرض تحريض القبائل ضد المسلمين كانت قوافلهم التجارية التي تتقدم نحو الشمال ثم تعود إلى مكة وفي أثناء رحلاتهم ذهابًا وإيابًا كانوا يحرضون القبائل القريبة من المدينة ضد المسلمين، مما شكل خطراً كبيراً على المسلمين. كان يرافق هذه القوافل حراسًا مسلحين وكان مرورهم قرب المدينة في حد ذاته يشكل تهديدًا لأمن المدينة المنورة. وكانت التجارة المصدر الرئيس للرزق في قريش وكانت أكثر الطرق فعالية لإقناع قريش للتخلي عن العداء تجاه الإسلام والمسلمين هي إفساد علاقاتها التجارية. وكان موضوع أسر أو تدمير قوافل العدو، أمرًا مألوفًا وكانت قريش تدرك جيداً أنه في الحالة التي خلقتها بيديها، فإن عرقلة سير قوافلها والاستيلاء على بضائعها من قبل المسلمين أمراً مشروعًا ومتوقعًا ولا يمكن الاعتراض عليه.
4. لما كان النبي ﷺ يعلم أن أي قبيلة أو عشيرة تستعد لغزو المدينة المنورة، كان إما أن يقود حملة ضدها أو يرسل قوة تحت قيادة شخص آخر لاتخاذ إجراءات مناسبة لوضع حد للعدوان المزمع.
وفي نهاية الخطبة، أعلن أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على بعض المرحومين وذكر نبذة من حياتهم.