ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 06/10/2023



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 06/10/2023 حيث قال:

ذكرت في الخطبة الماضية قصة مقتل عصماء بنت مروان وذكرت أن هناك حادثة مشابهة ملفقة أخرى وهي مقتل أبا عفك اليهودي وقد وردت في كتب السيرة كما يلي:

"في أحد الأيام قال النبي ﷺ "من لي بهذا الخبيث؟" وكان يعني أبا عفك، وكان شيخا كبيرا قد بلغ مائة وعشرين سنة، وكان يحرض الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهجوه في شعره، فقال سالم بن عمير، وهو أحد البكائين من مخافة الله تعالى، وقد شهد بدرًا: علي نذرٌ أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه. فأمهل فطلب له غرةً، حتى كانت ليلةٌ صائفةٌ، فنام أبو عفك بالفناء في الصيف في بني عمرو بن عوف، فأقبل سالم بن عمير، فوضع السيف على كبده حتى خش في الفراش، وصاح "عدو الله" فثاب إليه أناس ممن هم على قوله، فأدخلوه منزله وقد مات".

لم ترو هذه القصة من سند موثوق ولم تذكر في الصحاح الستة وقد وردت في السيرة الحلبية وشرح الزرقاني وسيرة ابن هشام والبداية والنهاية وغيرها ولكنها غير موجودة في أكثر كتب التاريخ كتاريخ الطبري والكامل في التاريخ وتاريخ ابن خلدون.

وهذه الواقعة مشابهة لواقعة مقتل العصماء في أن هذا الشحص كان يحرض الناس على قتل النبي ﷺ وذكر فيها نفس العبارة أنه: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى بدر رجع وقد ظفره الله بما ظفره، فحسده وبغى" وإن الاختلافات الواردة في هذه الروايات تؤكد عدم صحتها فقد ذكر ابن سعد والواقدي وغيرهما أن اسم القاتل هو سالم بن عمير. لكن في بعض الروايات كان اسمه سالم بن عمرو، وقد ذكر ابن عقبة اسمه سالم بن عبد الله. وكذلك بالنسبة للمقتول "أبا عفك"، فقد ذكر ابن سعد أنه يهودي، بينما لم يذكر الواقدي ذلك. كما ثبت عن ابن سعد والواقدي أن سالمًا قد قتل أبا عفك عند ثورة غضب، ولكن ورد في رواية أخرى أنه قتل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. وبالنسبة لوقت القتل، فإن ابن سعد والواقدي يذكران الحدث بعد مقتل عصماء بنت مروان، إلا أن ابن إسحاق قد ذكر أن ذلك كان قبل مقتلها.

فكل هذه التناقضات تؤدي إلى الشك القوي في صحة هذه الروايات وتبين أنها ملفقة وكاذبة، أو إذا كان فيها بعض الحقيقة، فهي غامضة جدًا ولا يمكن تبيان تفاصيلها وطبيعتها.

كما أننا لا نجد في التاريخ ذكرًا لرد فعل اليهود على هذا الحادث وصمتهم دليل دامغ على بطلان هذه القصة ويجب أن نتذكر أن العصر الذي يقال أن هاتين القصتين قد وقعتا فيه هو قبيل معركة بدر أو بعدها مباشرة وهو العصر الذي أجمع عليه جميع المؤرخين أنه لم تحدث فيه أي مواجهة أو نزاع بين المسلمين واليهود. ويثبت التاريخ أن غزوة بني قينقاع كانت أول معركة وقعت بين المسلمين واليهود، وأن يهود بني قينقاع كانوا أول من تقدم عمليا في عداوتهم للإسلام. فكيف يجوز أن يقبل اليهود قبل هذه الغزوة مثل هذا القتل وسفك الدماء بين اليهود والمسلمين؟ وإذا كان هذين الحدثين قد وقعا بالفعل قبل غزوة بني قينقاع، لكان من المستحيل عدم إدراجها ضمن العوامل التي أدت إلى هذه الغزوة، ولكان اليهود على الأقل، قد ذكروا بأن المسلمين هم الذين أثاروا الصراع بداية. ومع ذلك، فلا يوجد في أي سجل تاريخي، وحتى في أعمال المؤرخين الذين نقلوا هذه القصص، أي ذكر على الإطلاق بأن يهود المدينة قد أثاروا مثل هذا الاعتراض.

وفي ختام الخطبة ذكر أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على بعض المرحومين، وذكر نبذة من حياتهم.