لماذا شدد الإسلام على النوم المبكر؟ وجهة نظر الطب.
لقد اهتم الإنسان منذ فترة طويلة بالنوم، حيث تأثرت عادات النوم بالثقافة والدين عبر التاريخ. ويولي الإسلام على وجه الخصوص أهمية كبيرة لآداب النوم {الوقت والمكان وشعائر ما قبل النوم}، وهو ما بينته التعاليم القرآنية والأحاديث والسنة النبوية، لأن النوم بمثابة إعادة شحن لجسدك وروحك والاستعداد لليوم التالي ويعتبر من آيات عظمة الله. كما جاء في القرآن "وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ" (سورة الروم: 24).
والأهم من ذلك يشجعنا الإسلام على الحفاظ على روتين يومي محدد للنوم مبكرًا والاستيقاظ مبكرًا. "عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها" (رواه البخاري)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لأمتي في بكورها". لقد أكد الإسلام على النوم الجيد قبل أكثر من 1400 عام، أي قبل وقت طويل من اكتشاف العلم لأهمية النوم الجيد المبكر والآثار السيئة للنوم المتأخر. قال النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه (عبد الله بن عمرو) الذي كان يقوم الليل كله: "قُمْ ونَمْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا" (البخاري).
ما أهمية الذهاب إلى الفراش مبكرًا؟
النوم عملية طبيعية للجسم تسمح لجسمك وعقلك بالراحة. وتختلف كمية النوم بالساعات حسب العمر، لكن الشخص البالغ يحتاج في المتوسط إلى حوالي سبع إلى تسع ساعات من النوم. ومع ذلك، فإن الحصول على قسط كافٍ من النوم وحده ليس فعالاً إذا لم يكن مصحوبًا بجودة نوم جيدة. ومن العوامل التي تؤثر على نوعية النوم بالإضافة إلى آثاره الضارة على الصحة هو وقت النوم.
إن إيقاع الساعة البيولوجية هو نمط النوم والاستيقاظ على مدار 24 ساعة في اليوم والذي يلعب دورًا أساسيًا في تنظيم الوظائف البيولوجية، بما في ذلك تفضيلات النوم والاستيقاظ ودرجة حرارة الجسم والإفراز الهرموني والطعام والأداء المعرفي والجسدي. فهو يفسر بكل بساطة، ما إذا كان الوقت نهارًا أم ليلاً ويجهز جسمك وفقًا لذلك.
تؤثر عدة عوامل على إيقاع الساعة البيولوجية، ومنها إدراك الضوء من خلال العينين مما يؤدي بعد ذلك إلى إطلاق الجسم لهرمون الميلاتونين - المعروف أيضًا باسم هرمون النوم - والذي يشارك في تنظيم ومزامنة دورة النوم والاستيقاظ.
وعندما تشرق الشمس، يخبَر عقلك لإيقاظك وإنتاج كمية أقل من الميلاتونين. وعندما تغرب الشمس، فهذا يساعدك على الاستعداد للنوم عن طريق إنتاج المزيد من الميلاتونين. ولذلك فإن التغيرات في إيقاع الساعة البيولوجية يمكن أن تؤدي إلى أمراض مزمنة، وضعف النوم، وغيرها من العواقب غير المرغوب فيها.
وأظهرت مراجعة منهجية شملت تحليل 39 دراسة أن الأشخاص الذين يسهرون لوقت متأخر أكثر عرضة لمخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع خطر الإصابة بأمراض السكري والسرطان والاكتئاب. [1]
وأظهرت الدراسة وجود تركيز أعلى بكثير من نسبة الجلوكوز في الدم أثناء الصيام، ومستويات HbA1c، والكوليسترول الضار، ومستويات الدهون الثلاثية لدى أولئك الذين يسهرون لوقت متأخر مقارنة بالأشخاص الذين يفضلون الاستيقاظ في الصباح أكثر.
قد يكون أحد التفسيرات هو أن هؤلاء الأشخاص يميلون إلى تناول العشاء في وقت متأخر، مما يؤدي إلى ضعف التحكم في نسبة السكر في الدم. بالإضافة إلى ذلك، ترتفع تركيزات الدهون الثلاثية في البلازما أثناء الليل، ويؤدي تناول وجبة في وقت متأخر من الليل إلى مضاعفة الكمية، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية، مما يعرض الشخص لخطر أكبر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. [1]
علاوة على ذلك، فإن التعرض الأكبر للضوء الاصطناعي ليلاً يمنع إطلاق هرمون الميلاتونين، كما يرتبط انخفاض مستويات الميلاتونين بزيادة مقاومة الأنسولين مما يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري بالإضافة إلى سرطان الثدي والبروستاتا. [2]
كما يرتبط السهر أيضًا بالاكتئاب واضطرابات المزاج، فالذين يسهرون الليل لديهم ميل أكبر نحو الاندفاع وزيادة استهلاك المواد المقننة ذات التأثير النفساني (النيكوتين والكحول والكافيين) وكذلك المخدرات غير المشروعة. [2]
عندما تذهب إلى السرير بعد منتصف الليل، فإنك تحصل على قدر أقل من النوم العميق الذي تحتاجه لتشعر بالراحة بعد الاستيقاظ، مما قد يؤدي إلى النعاس أثناء النهار وحتى الحرمان من النوم في اليوم التالي. ولهذا أوصى العلماء بالنوم قبل منتصف الليل للحصول على قسط كافٍ من النوم الجيد والابتعاد عن الآثار الضارة المذكورة أعلاه.
وهكذا مرة أخرى نتعرف على حكمة الإسلام وعظمته وفوائد اتباع تعاليمه.
[1] Lotti S, Pagliai G, Colombini B, Sofi F, Dinu M. Chronotype Differences in Energy Intake, Cardiometabolic Risk Parameters, Cancer, and Depression: A Systematic Review with Meta-Analysis of Observational Studies. AN. 2022 [January 2022];13(1):269-281.
[2] Knutson KL & Schantz MV. Associations between chronotype, morbidity and mortality in the UK Biobank cohort. The Journal of Biological and Medical Rhythm Research. 2018 [11 April 2018];35(8):1045-1053.