ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 29/12/2023
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في التاسع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول، حيث تابع الحديث عن غزوة أحد وقال:
يقول المصلح الموعود رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى:
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}:
ليس خافيًا على أحد كم تضرر الجيش المسلم في غزوة أُحد نتيجة مخالفة بعض المسلمين لهذا الحكم الرباني. كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد عيّن خمسين من الرماة على ممر هام في الجبل، ولحساسية الممر دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - رئيس هذه الكتيبة عبد الله بن جبير الأنصاري وأوصاه وأصحابه وقال: لا تتركوا هذا الممر سواء انتصرنا أو متنا. ولكن لما هُزم الكفار وبدأ المسلمون يطاردونهم قال أصحاب الكتيبة لقائدهم لقد تم الفتح للمسلمين، وبقاؤنا هنا الآن عبث، فدَعْنا ننضم إليهم لنأخذ ثواب الجهاد. فقال قائدهم: لا تخالفوا أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -. لقد أمرَنا ألا نترك هذا المكان سواءً انتصر المسلمون أو هُزموا. لذا فلن أسمح لكم بترك الممر. فقالوا: لم يقصد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله أن لا نتحرك من هنا رغم انتصار المسلمين، وإنما كان يريد بذلك التأكيدَ على حماية الممر. لقد انتصر المسلمون الآن وقد انتهى عملنا، فماذا نفعل هنا. وهكذا قدّموا رأيهم الشخصي على ما أمرهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركوا الممر ولم يبق فيه إلا قائدهم وبضعة من أصحابه. وبينما كان الجيش الكافر يهرب من ساحة القتال إلى مكة نظر خالد ابن الوليد إلى الممر فوجده خاليًا، فقال لعمرو بن العاص- وكانا لم يُسلِما بعد: انظر هناك فرصة سانحة. تعال نرجع وننقضّ على المسلمين من هذا الممر. فجمعا الكتائب الكافرة الفارّة، وصعدا على الجبل من جانب الجيش الإسلامي ومزّقوا كل من بقي من جنود المسلمين على الممر إربًا، إذ لم يقدر هؤلاء البضعة على مقاومة الجيش الكافر. فحمل الكافرون على الجيش المسلم من خلفه بغتة.
وكان هذا الهجوم المفاجئ شديدًا على المسلمين الفرحين بالفتح والمنتشرين هنا وهناك في ساحة القتال، فلم يثبت أمام هذا الهجوم إلا قرابة عشرين صحابيًا، حيث أسرعوا والتفّوا حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدافعون عنه. ولكن إلى متى كان بوسع هؤلاء الحفنة من الصحابة أن يتصدّوا أمام هجمات العدو المتكررة؟ فقام الكافرون بهجمة شديدة ودفعوهم إلى الوراء، وفرّقوهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى صار وحيدًا في ساحة القتال. فأصابه حجرٌ في رأسه، فدخلت مسامير مِغْفَره في رأسه، وسقط مغشيًا عليه في حفرة. كما استُشهد بعض الصحابة الآخرين وسقطت جثثهم في الحفرة على جسد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأُشيع بين القوم أن رسول الله قد استُشهد. ولكن الصحابة الذين كانوا تقهقروا نتيجة هجمات الكفار المكثفة اجتمعوا ثانية حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما انكشف العدو، فأخرجوه من الحفرة. فأفاق النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قليل، وأرسل رجاله في كل طرف ليجمعوا المسلمين مرة أخرى، ثم أخذهم إلى سفح الجبل.
فأنت ترى أن الجيش الإسلامي لم يلق تلك الهزيمة المؤقتة بعد أن انتصر على الكافرين إلا لأن بعض المسلمين خالفوا حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتبعوا اجتهادهم الشخصي بدلاً من العمل بأوامره - صلى الله عليه وسلم -. ولو أنهم اتبعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يتّبع النبض حركة القلب مدركين أن الناس كلهم لو قدموا أرواحهم في سبيل اتباع أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما كانت هذه التضحية أيضا ذات بال. ولو لم يتّبعوا اجتهادهم الشخصي ولم يتركوا الممر الذي أمرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحمايته بقوله: لا تتحركوا من هذا المكان سواء انتصرنا أو متنا، لَما وجد العدو فرصة للهجوم ثانية، ولَما أصيبَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابُه بأي أذى. لذا فإن الله تعالى قد لفت أنظار المسلمين في هذه الآية وأوضح لهم أن الذين لا يطيعون أحكام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاعة كاملة، أو يفضّلون اجتهاداتهم الشخصية على أوامره، عليهم أن يخافوا أن تنزل عليهم آفة أو عذاب شديد.
وفي تفسير سورة الكوثر، يقول سيدنا المصلح الموعود:
في غزوة أحد كتب الله النصر للمؤمنين وهزم الكفار في أول الأمر، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عيّن جماعة من الرماة لحماية ممر جبلي هناك، وأوصاهم ألا يتركوه سواء أانتصر المسلمون أم هُزموا، وسواء أقُتلوا أم نجوْا. وكان المسلمون متحمسين للاشتراك في الجهاد، فلما كتب الله النصر للإسلام، قال هؤلاء الرماة لأميرهم: دَعْنا نشترك في الجهاد قليلاً، فقد كتب الله النصر للإسلام، ولم يبق هناك خطر. فقال الأمير: إذا أمر الحاكم بأمرٍ فلا يحقّ للمحكوم أن يؤوّل أمره؛ ولكنهم عصوْه وأصرّوا على خطئهم قائلين: إذا أردتَ فابقَ هنا، أما نحن فذاهبون للقتال.
ولم يكنْ خالد بن الوليد وعمرو بن العاص قد دخلا في الإسلام بعد -كانا شديدَي الذكاء والخبرة في القتال وقد صارا لاحقًا من القادة العظام في الإسلام وحققا إنجازات عظيمة- وإنما جاءا مع جيش الكافرين لمحاربة المسلمين، وبينما هما يهربان مع الهاربين، نظر خالد إلى الممر ووجده خاليا، فقال لعمرو: عندنا فرصة ذهبية لمباغتة المسلمين، فأخذ كلٌّ منهما أصحابه وجاء أحدهما من طرف والآخر من طرف آخر، وقتلوا المسلمين القلائل الموجودين في الممر، وكان المسلمون قد تفرقوا وتقوَّضت صفوفهم، ففوجئوا بهجوم خالد وعمرو المباغت، فقُتل بعضهم وجُرح الآخرون، أما الباقون فلم يستطيعوا الصمود أمام الهجوم الجارف، حتى وصل العدو إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق حوله إلا 12 شخصا. وجعل الجيش الكافر المكوَّن من 3000 محارب يجرف المسلمين المتفرقين المتشتتين كالموج جرفًا، بين رامٍ بالحجارة ورامٍ بالسهام وضاربٍ بالسيف، ومع أن الصحابة قد قدّموا تضحيات منقطعة النظير، إلا أنهم لم يستطيعوا الصمود أمام 3000 محارب في ذروة نشاطهم وحماسهم. فأصيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الهجوم الجارف، وسقط اثنان من أسنانه، وأصاب خوذتَه حجر فدخلتْ حلقتها في خده، فسقط مغشيا عليه في حفرة، ووقعت عليه جثث الصحابة الذين كانوا يدافعون عنه، حتى اختفى جسده المبارك تحت جثثهم، وشاع بين المسلمين أنه استشهد. فنزل هذا الخبر كالصاعقة على المسلمين العاجزين عن الثبات أمام هذا الهجوم المكثف الجارف.
لما بلغ الكافرين إشاعةُ مقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - توقفوا عن متابعة الهجوم، إذ ارتأوا أن الأفضل أن يرجعوا إلى مكة بسرعة، ويبلّغوا أهلها بشارة مقتل محمد- والعياذ بالله.
لقد بقي رسول الله ﷺ ثابتًا ولم يتراجع أبدًا وأبدى شجاعة لا نظير لها.
وفي ختام الخطبة، أعلن أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على بعض المرحومين وذكر نبذة من حياتهم.