نسيبة بنت كعب المازنية (أم عمارة) رضي الله عنها
أم عمارة: نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم من بني مازن بن النجار الأنصارية النجارية والدة عبد الله وحبيب من بني زيد بن عاصم.
كان أخوها عبد الله بن كعب المازني من البدريين. وكان أخوها عبد الرحمن، من البكائين.
قال أبو عمر: شهدت بيعة العقبة وشهدت أحدًا مع زوجها وولدها منه في قول بن إسحاق وشهدت بيعة الرضوان ثم شهدت قتال مسيلمة باليمامة وجرحت يومئذ اثنتي عشرة جراحة وقطعت يدها وقتل ولدها حبيب (الإصابة في تمييز الصحابة).
وشهدت كذلك الحديبية ويوم حنين.
قال ابن سعد: هي أخت عبد الله بن كعب. وقد شهد بدرًا وأخت أبي ليلى بن كعب واسمه عبد الرحمن وكان أحد البكائين.
روايتها الحديث:
روت عن النبي ﷺ أحاديث وروى عنها ابنها عباد بن تميم بن زيد والحارث بن عبد الله بن كعب وعكرمة وليلى مولاة لهم.
روى حديثها الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق شعبة عن حبيب بن زيد عن مولاة لهم يقال لها ليلى عن جدته أم عمارة بنت كعب أن النبي ﷺ دخل عليها فقدمت إليه طعامًا فقال: كلي فقالت: أني صائمة فقال: "إن الصائم إذا أُكل عنده صلت عليه الملائكة".
وأخرج أبو داود من طريق شعبة عن حبيب الأنصاري: سمعت عباد بن تميم يحدث فيقول عن عمتي وهي أم عمارة أن النبي ﷺ توضأ فأتى بإناء فيه قدر ثلثي المد".
وأخرج بن منده بسند فيه الواقدي إلى الحارث بن عبد الله بن كعب عن أم عمارة بنت كعب قالت: أنا أنظر إلى رسول الله ﷺ وهو ينحر بدنه قيامًا بالحربة.
عن أم عُمَارة الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أرى كلَّ شيءٍ إلا للرجال وما أرى النساء يُذكرنَ بشيءٍ؟ فنزلت هذه الآية "إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات" (الأحزاب:36).
شجاعتها:
في يوم أحد:
ذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري: أن أم سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول: دخلت على أم عمارة، فقلت لها: يا خالة، أخبريني خبرك؛ فقالت: خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في أصحابه، والدولة والريح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون، انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت أباشر القتال، وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس، حتى خلصت الجراح إلي. قالت: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور، فقلت: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة، أقمأه الله لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربني هذه الضربة ولكن فلقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان.
كان رسول الله ﷺ يقول يوم أحد: "ما التفت يمينًا ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني".
يوم اليمامة:
قاتلت أم عمارة يوم اليمامة حتى أصيبت يدها وجرحت يومئذ اثنتي عشرة جراحة.
عن أم سعد بنت سعد بن الربيع قالت: رأيت نسيبة بنت كعب ويدها مقطوعة فقلت لها: متى قطعت يدك؟ قالت: يوم اليمامة، كنت مع الأنصار فانتهينا إلى حديقة فاقتتلوا عليها ساعة حتى قال أبو دجانة الأنصاري واسمه: سماك بن خرشة: احملوني على الترسة حتى تطرحوني عليهم فأشغلهم، فحملوه على الترسة وألقوه فيهم فقاتلهم حتى قتلوه رحمه الله، قالت: فدخلت وأنا أريد عدو الله مسيلمة الكذاب فعرض إلي رجل منهم فضربني فقطع يدي، فوالله ما عرجت عليها ولم أزل حتى وقعت على الخبيث مقتولاً وابني يمسح سيفه بثيابه فقلت له: أقتلته يا بني؟ قال: نعم يا أماه، فسجدت لله شكرًا قال: وابنها هو: عبد الله بن زيد بن عاصم.
مكانتها:
كان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحدًا تسقي الماء قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان".
وكانت تراها يومئذ تقاتل أشد القتا، وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها ، حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا؛ وكانت تقول: إني لأنظر إلى ابن قمئة وهو يضربها على عاتقها - وكان أعظم جراحها -، فداوته سنة. ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى حمراء الأسد، فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم رضي الله عنها ورحمها .
عن ابن سعد أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد الجبار بن عمارة، عن عمارة بن غزية قال: قالت أم عمارة: رأيتني، وانكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة؛ وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترس معي، فرأى رجلا موليا ومعه ترس، فقال: ألق ترسك إلى من يقاتل، فألقاه، فأخذته، فجعلت أترس به عن رسول الله. وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل؛ لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم - إن شاء الله.
فيقبل رجل على فرس، فيضربني، وترست له، فلم يصنع شيئا وولى؛ فأضرب عرقوب فرسه، فوقع على ظهره ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح: يا ابن أم عمارة، أمك! أمك! قالت: فعاونني عليه، حتى أوردته شعوب. (سير أعلام النبلاء).
لما رجع رسول الله من الحمراء، ما وصل رسول الله إلى بيته حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها فرجع إليه يخبره بسلامتها فسر بذلك النبي ﷺ.
أخبرنا محمد بن عمر : حدثني ابن أبي سبرة، عن عمرو بن يحيى، عن أمه، عن عبد الله بن زيد، قال: جرحت يومئذ جرحا، وجعل الدم لا يرقأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعصب جرحك. فتقبل أمي إلي، ومعها عصائب في حقوها؛ فربطت جرحي، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف، فقال: انهض بني، فضارب القوم! وجعل يقول: من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة! .
فأقبل الذي ضرب ابني، فقال رسول الله: هذا ضارب ابنك. قالت: فأعترض له، فأضرب ساقه ، فبرك، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ، حتى رأيت نواجذه، وقال: استقدت يا أم عمارة!.
ثم أقبلنا نعله بالسلاح، حتى أتينا على نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الحمد لله الذي ظفرك .
أخبرنا محمد بن عمر: حدثني ابن أبي سبرة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن الحارث بن عبد الله: سمعت عبد الله بن زيد بن عاصم يقول: شهدت أحدا، فلما تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دنوت منه أنا وأمي، نذب عنه، فقال: ابن أم عمارة؟ قلت: نعم. قال : ارم، فرميت بين يديه رجلا بحجر - وهو على فرس - فأصبت عين الفرس، فاضطرب الفرس، فوقع هو وصاحبه؛ وجعلت أعلوه بالحجارة، والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم .
ونظر إلى جرح أمي على عاتقها، فقال : أمك أمك! اعصب جرحها. اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة. قلت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا.
وعن موسى بن ضمرة بن سعيد ، عن أبيه، قال: أتي عمر بن الخطاب بمروط فيها مرط جيد؛ فبعث به إلى أم عمارة.
وعن محمد بن يحيى بن حبان، قال: جرحت أم عمارة بأحد اثني عشر جرحا ، وقطعت يدها يوم اليمامة؛ وجرحت يوم اليمامة سوى يدها أحد عشر جرحا، فقدمت المدينة وبها الجراحة، فلقد رئي أبو بكر - رضي الله عنه، وهو خليفة، يأتيها يسأل عنها .
ولداها:
ابنها حبيب بن زيد بن عاصم هو الذي قطّعه مسيلمة .وابنها الآخر عبد الله بن زيد المازني، الذي حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتل يوم الحرة وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب بسيفه .
صبرها
أرسل رسول الله ﷺ ابنها حبيب إلى مسيلمة الكذاب الحنفي صاحب اليمامة فكان مسيلمة إذا قال له: أتشهد أن محمدًا رسول الله قال: نعم، وإذا قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: أنا أصم لا أسمع ففعل ذلك مرارًا، فقطعه مسيلمة عضوًا عضوًا فمات شهيدًا رضي الله عنه (أسد الغابة)
وعندما عرفت أم عمارة الخبر، قالت: "لمثل هذا أعددته وعند الله احتسبته".
وفاتها:
توفيت أم عمارة في خلافة عمر رضي الله عنهما عام 13هـ. ودفنت في البقيع.