ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 03/05/2024



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في الثالث من شهر مايو/أيار الجاري، حيث تابع الحديث عن غزوة  حمراء الأسد قال:

كانت الليلة التي تلت معركة أحد ليلة من القلق للمسلمين في المدينة المنورة، حيث كان يسود الشعور بانعدام الأمن، فلربما تعود قريش، ولذلك قاموا بحراسة باب النبي ﷺ، وقبل صلاة الفجر، تلقى ﷺ إيحاءًا بأن جيش قريش قد عسكر على مسافة أميال من المدينة وأن مناقشة كانت تجري بين زعمائهم حول رغبتهم في مهاجمة المدينة، ووبخ بعضهم بعضا أنهم لم يقتلوا محمد، ولم يسبوا نساء المسلمين، ولم ينهبوا منازلهم، فيجب الهجوم على المدينة وتدمير المسلمين. وذهب آخرون إلى أنهم تفوقوا بهذا الانتصار، وعليهم أن يكتفوا بهذا النصر ويعودوا إلى مكة، خوفًا من أي مغامرة قد تشكل خطرًا على انتصارهم؛ لأن من المؤكد أن المسلمين سيقاتلون بشدة وسينضم إليهم من لم يذهب إلى أحد.

في النهاية، استطاع من كان متحمسًا للهجوم على المدينة من إقناع بقية قريش وبدأوا اتخاذ الاستعدادات للمسير إلى المدينة، وعندما علم النبي ﷺ بهذا التطور، أعطى تعليماته على الفور بأن على المسلمين الاستعداد للسير ضد قريش، شريطة أن لا يخرج إلا من كان حاضرًا في أحد، وكان الكثير منهم مصابين، ولكن عندما سمعوا تعليمات النبي ﷺانضموا إلى الجيش بفرح وهم مضمدي الجراح، وبدا الجو العام كما لو كان الجيش المنتصر يطارد العدو المهزوم، أرسل النبي ﷺ شخصين لجمع المعلومات عن قريش؛ وتم العثور على جثتهما في حمراء الأسد على بعد ثمانية أميال من المدينة المنورة، فقد قتلتهما قريش، فدفنهما النبي ﷺ، وقرر التخييم ليلة هناك، وأعطى تعليماته بإشعال النار حول المنطقة، وفي غضون دقائق، تم إشعال 500 شعلة على المرتفعات المجاورة، مما أعطى انطباعًا أن النبي ﷺ قد نشر قوة كبيرة. وفي أثناء ذلك، مر معبد، كبير خزاعة، على النبي ﷺ وواساه في قتلى أحد. وفي صباح اليوم التالي، عندما وصل إلى الروحاء، وجد جيش قريش يستعد للمسير ضد المدينة فتوجه إلى أبي سفيان وقال له أنه قد أتى لتوه من حمراء الأسد حيث شاهد قوة هائلة في المخيم يتوقون للانتقام من أعدائهم. تأثر أبو سفيان جدًا بما سمعه وتخلى عن خطته في السير نحو المدينة ورجع مع جيشه إلى مكة، وعندما علم النبي ﷺ أن قريشًا تتجه نحو مكة قال إن الله قد أرهبهم. وبقي في حمراء الأسد ليومين أو ثلاثة وعاد الى المدينة بعد غياب دام خمسة أيام.

يصف بعض كتاب السيرة معركة أحد بأنها هزيمة للمسلمين، ويخجل البعض من تسميتها بالنصر، في حين أن الحقيقة هي أننا إذا نظرنا إلى قواعد وعادات الحرب في ذلك الوقت، فلا يمكن القول بأن المسلمين قد هُزموا في أحد فقد كانوا لا يزالون حاضرين في الميدان عندما هتف أبو سفيان بأن يومنا هذا انتقامٌ ليوم بدر. فأنى ذلك؟! وقد قتل في بدر كبار قادتهم وأسر سبعون منهم. لقد حصل المسلمون على غنائم كثيرة في بدر. وأقام المسلمون المنتصرون في بدر ثلاثة أيام، وهرب الكفار من هناك. وفي يوم أحد، لم يحدث ولا واحد من هذه الأشياء للكفار، فكيف يكون هذا انتقامًا بدر؟

لم يُهزم المسلمون في أحد، ولكن بعد انتصار واضح في المرحلة الأولى، كان عليهم أن يواجهوا خسائر فادحة في المرحلة الثانية، ومع ذلك حُرم العدو من التسبب في مزيد من الضرر للمسلمين وعاد بلا نيل مرامه.

ثم ذهب المسلمون إلى حمراء الأسد في اليوم التالي مباشرة، وهكذا تخرج معركة أحد على شكل نصر مشرق ومبين.

يقول الخليفة الرابع رحمه الله:

لا توجد حالة واحدة في تاريخ الحرب البشرية أعرب فيها قائد جيش عن مثل هذه الثقة الكاملة في جيشه الذي تخلى عنه قبل ساعات قليلة فقط بحيث هربوا من الميدان ولم يبق حوله سوى القليل منهم.

وعلى العكس، نرى في التاريخ أن الجنود الفارين لا يحظون بالثقة، بل ويعاقبون بشكل انتقائي ويتم إذلالهم واستبدالهم بصفوف جنود جدد. ومما يثبت أن ثقة النبي ﷺ كانت صحيحة مئة بالمئة ولم يكن قراره عاطفيا هو أن جميع مجاهدي أُحد، دون استثناء، انضموا إلى النبي ﷺ في هذه الحملة الخطيرة بكل إصرار وحماس رغم عدم قدرة بعضهم على المشي ولم يتراجع أحد منهم. ولم يعترض على ذلك أحد قائلا بأنه ليس من الحكمة الارتماء في براثن العدو القوي الظالم بعد النجاة منه. ولم يتراجع أحد بل بلغ حماس الصحابة درجة أن بعض الجرحى الذين سمح لهم بالبقاء قالوا بأن النبي ﷺ قد أمر بخروج  من شارك في أحد فينبغي ألا نتخلف، وقرروا أنهم حتى لو اضطروا إلى التعثر والسقوط فلن يتركوا صحبة النبي ﷺ. وورد في التاريخ أن الأخ الأقل إصابة نسبيًا كان يحمل الأكثر إصابة على ظهره لبعض المسافة وهكذا وصلوا إلى ميدان الجهاد خلف النبي ﷺ. 

ربما تكونون قد قرأتم، في تاريخ الحروب العالمية، عن أمثلة لجندي جريح يظهر تضحية كبيرة بنفسه من أجل رفيق جريح آخر ويخاطر بحياته لإنقاذه، ولكن هل سبق لكم أن رأيتم مثل هذا المنظر للأخ الجريح يحمل أخاه الجريح؟ وليس بهدف إبعاده عن الموت، بل حتى يقربه إلى ساحة الموت. وكل ذلك طاعةً فقط للأمر الصادر من لسان حبيبهم ﷺ.

وفي ختام الخطبة، طلب أمير المؤمنين نصره الله مواصلة الدعاء لأحوال العالم، خاصة فلسطين. وقال: رغم أنه يبدو أنه قد يكون هناك وقف لإطلاق النار مؤقتًا، إلا أنه حتى لو حدث ذلك، فإن الظلم ضد الفلسطينيين لن ينتهي. ندعو الله أن يوفق الله الفلسطينيين للخضوع أمامه.

إن هذه الأحوال قد كسرت كبرياء المتكبرين. ويبدو أن الله تعالى قد بدأ عملية إنهاء كبريائهم؛ والله أعلم متى سيكمل هذه العملية، لكن كبرياءهم بدأ ينكسر وترتفع الأصوات من الداخل، فهناك احتجاجات في أمريكا وهم يحاولون وقفها بالقوة، فحتى لو تمكنوا من إيقافها مؤقتًا، إلا أنها ستبدأ من جديد.

ندعو الله أن يهب العقل للقوى الكبرى في العالم حتى تتصرف بالعدل. كما أرجو الدعاء لي حيث أعاني منذ مدة من مضاعفات في صمام القلب. وقد خضعت مؤخرًا لعملية تغيير الصمام. وبفضل الله تعالى تمت العملية على خير ما يرام. وبناءً على نصيحة الأطباء، لم أتمكن من الحضور إلى المسجد لبضعة أيام. ولكن الآن وبفضل الله تعالى أكد الأطباء أن العملية كانت ناجحة من الناحية الطبية. فأرجو الدعاء أن تكون الحياة التي قدرها الله لي فعالة ومليئة بالخدمة.