ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 13/09/2024



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 13/09/2024، حيث تابع الحديث عن غزوة الخندق وقال:

لم يكن من الممكن الإبقاء على تحركات هذه القوة الكبيرة سرًا، بالإضافة إلى أن نظام النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستخباراتي منظم تنظيمًا جيدًا، وبذلك عندما بدأ الجيش بالتحرك من مكة، وردت إشارة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فاستدعى أصحابه للتشاور، فاقترح سلمان الفارسي، المسلم الفارسي المخلص، الذي كان على دراية بالتكتيك والاستراتيجية الفارسية، أن أفضل طريقة لحماية المسلمين لأنفسهم في هذه الحالة التي يواجهونها هي حفر خندق طويل وعريض حول الجزء الضعيف الغير محمي من المدينة المنورة. وكانت هذه فكرة جديدة تمامًا ولم تكن معروفة بين العرب، وعندما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذه الفكرة نجحت في حروب غير العرب، قرر - صلى الله عليه وسلم - اعتمادها وأعطى أوامره بحفر خندق واسع لحماية المدينة المنورة على طول الجانب المفتوح والضعيف تحت إشرافه المباشر، فحدد خطوط الخندق وخصص مجموعات من عشرة مسلمين بحيث تقوم كل مجموعة بحفر ما طوله خمسة عشر قدم. حدث اختلاف ودي فيما إذا كان سلمان، صاحب فكرة حفر الخندق والذي كان رجلًا نشيطًا، من المهاجرين كونه غريباً، أو من الأنصار كونه وصل إلى المدينة المنورة قبل الهجرة، حيث حرص كلا الطرفين على أن يكون من بينهم. فقدمت المسألة إلى النبي الأشرف - صلى الله عليه وسلم -، الذي قال بعد الاستماع إلى الجانبين، وهو يبتسم: "سلمان منا آل البيت" ومنذ ذلك الحين فصاعداً، نال سلمان هذا الشرف.

قسمت كل مجموعة مؤلفة من عشرة رجال المهام فيما بينهم وبدأت أعمال إعداد الخندق بجدية حقيقية. ولكن لم يكن الحفر بالأمر السهل وكان الجو باردًا، مما زاد في الصعوبات. شارك جميع القادرين من المسلمين تقريباً في حفر الخندق، ووضعت جانباً جميع المهن الأخرى، وبذلك عانى من كان يعتمد على العمل اليومي لكسب قوته، من الحرمان بسبب الجوع ونقص التغذية. وقد حفز النبي - صلى الله عليه وسلم - حماس المسلمين من خلال نقله السلال المحملة بحفريات الأرض، ومن خلال مشاركتهم في أغانيهم، التي أنشدوها نفسها وقت بناء المسجد:

"اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة

اللهم ارحم الأنصار والمهاجرة"

كما كان يكرر الأبيات التالية، وهو مغطى، شأنه شأن البقية، بالغبار والتراب:

"اللهم لولاك ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلنّ سكينة علينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغوا علينا

وإن أرادوا فتنة أبينا

أبينا أبينا"

وعندما كان يكرر الكلمة الأخيرة، كان يرفعه صوته. وقد عانى - صلى الله عليه وسلم - من ألم الجوع الشديد مثله مثل جميع المسلمين.

أثناء حفر الخندق، ظهرت معجزات منها أنه في إحدى المرات، صادفت مجموعة الحفارين صخرة راسخة في الأرض، ولم يتمكن الحفارون الجائعون من كسرها أو نقلها، فذهبوا في النهاية إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكروا له ما يواجهونه، فذهب إلى مكان الصخرة وأخذ معول، وضرب به الصخرة قائلًا بسم الله، فأثارت هذه الضربة الحديدية شرارة على الحجر، وعندها قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بصوت عالٍ: "الله أكبر، أعطيت لي مفاتيح الشام والله إني لأنظر قصورها الحمراء الساعة" وقد قطعت ضربته قطعة من الصخرة، ثم ضرب الصخرة ثانية ذاكراً اسم الله فلمعت شرارة من الصخرة فقال: "الله أكبر أعطيت فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن" وقطعت هذه الضربة جزءاً أكبر من الصخرة وتكرر الأمر في الضربة الثالثة وعندما لمعت الشرارة قال: "الله أكبر أعطيت لي مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني" وفي النهاية تحطمت الصخرة.

كانت هذه الرؤى الثلاثة التي أعطيت للنبي - صلى الله عليه وسلم - نبوءة تخبر عن انتصارات المسلمين وازدهار الإسلام في المستقبل، وعندما سمع المنافقون بهذه الرؤى، استهزأوا بها ولكن تم الوفاء بها تماماً في آخر حياة الرسول ﷺ وفي زمن خلفائه.

أثناء حفر الخندق، لاحظ جابر بن عبد الله علامات الجوع والضعف على محيا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ إذنه للعودة إلى بيته لفترة قصيرة، وعند وصوله إلى المنزل، قال لزوجته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعاني من شدة الجوع، وسألها عما إذا كان لديها أي طعام في المنزل، فقالت أن لديها بعض دقيق الشعير وماعز واحدة، فقام جابر بذبح الماعز وطحن الشعير لصنع الخبز وقال لزوجته: "أعدي الطعام ريثما أذهب وأدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - للطعام" فحذرته زوجته: "لا تفضحني برسول الله ومن معه" فذهب جابر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسارره: "يا رسول الله، طعيم لي فقم أنت ورجل أو رجلان" فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كمية الطعام الموجود، فأخبره جابر عن الكمية الموجودة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "كثير طيب"، ثم نظر حوله ورفع صوته، ونادى: "يا معشر الأنصار والمهاجرين، إن جابراً قد صنع سؤراً فحهيلاً بكم" وبناءاً على هذا تجمع عدد كبير جداً، ربما ألف أو أكثر، لمرافقته، ثم أمر جابر بالإسراع للمنزل وإخبار زوجته أن لا تضع وعاء الطعام على النار، وألا تبدأ بالخبز قبل وصوله، فتوجه جابر إلى منزله بسرعة، وأبلغ زوجته بذلك، فارتبكت زوجته جداً حيث أن الطعام لا يكفي إلا لبضعة أشخاص، بينما يقول زوجها أن عدداً كبيراً سيأتي. وعندما وصل النبي ﷺ، قام بالدعاء عند قدر الطبخ والعجين، وقال: "ابدأي الخبز الآن" وعندما تم إعداد بعض الخبز بدأ - صلى الله عليه وسلم - بتوزيع الطعام، وبدأ الناس يأكلون بالدور بعد أن توزعوا إلى مجموعات، وأكل الجميع حتى الشبع وبقي القدر يغلي ولم يستهلك كل العجين.

وفي ختام الخطبة، قال أمير المؤمنين نصره الله:

أود أن ألفت انتباهكم للدعاء أن يقوي الله إيماننا وأن يحمي الأحمديين من كل شر ويحمي العالم من النار التي يتقدم نحوها، إذا انتبه الناس للإصلاح فيكمن أن يخرجهم الله من المصائب، ندعوه تعالى أن يهبهم العقل والفهم.