ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 25/10/2024



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 25/10/2024، حيث تابع الحديث عن غزوة الأحزاب وقال:

نقضت بنو قريظة العهد فحاصر النبي ﷺ قلاعهم لمعاقبتهم على غدرهم فلما جهدهم الحصار، نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إليه زعماء الأوس وقالوا: يا رسول الله بنو قريظة حلفاؤنا وقد ندموا على ما كان من نقضهم العهد فهبهم لنا، ورسول الله ﷺ ساكت لا يتكلم حتى ألحوا فقال: أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم قالوا بلى فقال رسول الله ﷺ اختاروا من شئتم من أصحابي فاختاروا سعد بن معاذ، فرضي بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

وسعد يومئذ كان يُداوى في خيمة قريبة من المسجد بالمدينة وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فيها ليعوده من قريب فلما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكم إلى سعد خرجت الأوس إليه فحملوه على حمار وقالوا إن رسول الله ﷺ قد ولاك أمر بني قريظة لتحسن فيهم، فقال سعد قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم.

أقبل سعد على رسول الله ﷺ والناس حوله فقال رسول الله قوموا إلى سيدكم وفي رواية إلى خيركم فقاموا يحيونه حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: احكم فيهم يا سعد، فقال: الله ورسوله أحق بالحكم. فقال النبي ﷺ قد أمرك الله أن تحكم فيهم وقالت الأوس الذين بقوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أبا عمرو إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ولاك الحكم في أمر مواليك فأحسن إليهم. قال سعد أترضون حكمي لبني قريظة قالوا نعم قد رضينا بحكمك. قال سعد: عليكم عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم ما حكمت؟ قالوا نعم. ثم قال سعد للناحية التي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم وهو معرض عنها إجلالا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: وعلى من هاهنا مثل ذلك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه نعم. قال سعد فإني أحكم فيهم أن يقتل كل مقاتل منهم وتسبى النساء والذرية وتقسم الأموال وتكون الديار للمهاجرين دون الأنصار فقالت الأنصار إخواننا كنا معهم فقال أحببت أن يستغنوا عنكم فقال رسول الله ﷺ لقد حكمت بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات.

مما لا شك فيه أن حكم سعد على المسألة التي وضعت أمامه كان ناجماً عن حكم إلهي. لقد طلب بنو قريظة أن يرسل إليهم أبو لبابة، الذي أشار إليهم بشيء لا أساس له جملةً وتفصيلاً، وبالتالي قرر بنو قريظة عدم رمي أنفسهم تحت رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأعلنوا أخيراً استعدادهم للخضوع لحكم سعد، آملين كونه زعيم الأوس، الذين كانوا حلفاءهم، أن يعاملهم برحمة. ومن جانبه قرر سعد أن لا يسمح لأي اعتبار بالتأثير في حكمه الذي يجب أن يتفق مع إرادة الله حسب فهمه. وقبل إصدار حكمه، حصل على وعد صريح من النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل التنفيذ الكامل للحكم.

يقول حضرة ميرزا بشیر أحمد:

"يبدو أنه بسبب خيانة وغدر وتمرد وفتنة وفساد وجرائم قتل بني قريظة، كان قد صدر هذا الحكم من المحكمة الإلهية بأن يُمحى مقاتلوهم من الدنيا. وهكذا فإن التحريك الغيبي للنبي ﷺ في بداية هذه الغزوة يظهر أيضًا أن هذا كان قدرًا إلهيًا. لكن الله لم يشأ أن يُنفَّذ هذا الحكم عن طريق رسوله، ولذلك أبقاه بعيداً تماماً من خلال تصرفات غيبية معقدة، وجعل الإعلان عن هذا الحكم يتم عن طريق سعد بن معاذ. وجعل الحكم يصدر بطريقة لم يعد النبي ﷺ قادراً على التدخل فيها لأنه كان قد وعد بأنه سيلتزم بهذا الحكم مهما كان.

وبما أن تأثير هذا الحكم لم يكن يقع على شخصه فقط بل على جميع المسلمين، فلم يكن يرى أن من حقه أن يغير هذا الحكم برأيه مهما كان يميل إلى العفو والرحمة. هذا هو التصرف الإلهي الذي تأثر بقوته فخرجت من فمه عفويًا كلمات "قد حكمت بحكم الله."

بعد قول هذه الكلمات، نهض بصمت وتوجه نحو المدينة، وقلبه يتألم من فكرة أن قوماً كان يرغب كثيراً في إيمانهم أصبحوا بسبب سوء أعمالهم محرومين من الإيمان وهدفاً للغضب والعذاب الإلهي. وربما في هذه المناسبة قال هذه الكلمات المليئة بالحسرة: "لو آمن بي عشرة من اليهود لآمنت بي اليهود" أي لو آمن بي عشرة من ذوي النفوذ - لكنت آمل من الله أن هذه الأمة كلها ستقبلني وتنجو من العذاب الإلهي.

أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن على الرجال الأصحاء من بني قريظة الانفصال عن نسائهم وأبنائهم، وأن يقادوا منفصلين إلى المدينة. فأقاموا في المدينة في منازل منفصلة، وبأمر من النبي ﷺ قام الصحابة (الذين ربما كان العديد منهم جائعين أنفسهم) بتوفير كميات كبيرة من الفاكهة لإطعام بني قريظة، وقد كُتب أن اليهود ظلوا طوال الليل مشغولين بتناول الفاكهة.

يقول حضرة ميرزا بشیر احمد:

في صباح اليوم التالي كان موعد تنفيذ حكم سعد بن معاذ. عيّن النبي ﷺ عدداً من الرجال الأكفاء لتنفيذ هذه المهمة، وجلس هو نفسه في مكان قريب، حتى إذا ظهرت أي مسألة أثناء تنفيذ الحكم تحتاج إلى توجيهه، يمكنه أن يقدم التوجيه دون تأخير.

وأيضاً إذا قُدم التماس بالرحمة من أي شخص بخصوص أي مجرم، يمكنه أن يصدر حكماً فورياً في ذلك. لأنه رغم أن حكم سعد لم يكن يمكنه استئنافه، إلا أنه بصفته ملكاً أو رئيساً للدولة كان يمكنه بالتأكيد أن يستمع إلى التماس الرحمة بشأن أي فرد لسبب خاص.

وبمقتضى الرحمة، أصدر أمراً أيضاً بأن يُقتل المجرمون واحداً تلو الآخر بشكل منفصل. أي أن لا يكون المجرمون الآخرون حاضرين أثناء قتل واحد منهم. وهكذا تم إحضار المجرمين واحداً واحداً بشكل منفصل، وتم قتلهم وفقاً لحكم سعد بن معاذ.

وقام يهودي اسمه رِفاعة، بإقناع سيدة مسلمة لتشفع له عند النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم -، الذي استجاب لاسترحامها. باختصار، من تمت الشفاعة له عنده ﷺ في ذلك الوقت، عفا عنه فوراً. هذا مؤشر على أن ميله كان نحو الرحمة رغم كونه ملزمًا بتنفيذ حكم سعد.

هذا كان تعامل الرسول الذي هو رحمة للعالمين مع الأعداء أما حالة المسلمين اليوم فهم باسم الله ورسوله يخرجون إخوانهم من بيوتهم، وبهذا فقدوا عزتهم في نظر الآخرين. ندعو الله أن يرحمهم ويهديهم.