ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 29/11/2024



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في التاسع والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حيث تابع الحديث عن صلح الحديبية وقال:

كان رسول الله ﷺ يأمر أصحابه بالحراسة بالليل، وكان محمد بن مسلمة على حرس رسول الله، وبعثت قريش ليلا خمسين رجلا، عليهم مكرز بن حفص، وأمروهم أن يطوفوا بالنبي ﷺ رجاء أن يصيبوا منهم أحدا، فأخذهم محمد بن مسلمة، فجاء بهم رسول الله وأفلت مكرز فأخبر أصحابه، ثم جاء جمع من قريش إلي النبي ﷺ وأصحابه حتى تراموا بالنبل والحجارة، وأسر المسلمون من المشركين اثني عشر فارسا، وقتل من المسلمين ابن زنيم. وعند ذلك بعثت قريش إلى رسول الله جمعا، منهم سهيل بن عمرو، فلما رآه النبي ﷺ

"لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أمْرِكُمْ " وعندما وصل سهيل مع رفاقه قال: "هَاتِ، اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًًا" قال له النبي ﷺ إنه على استعداد لذلك واستدعى علي ليكون ناسخ المعاهدة، التي تتضمن الشروط التي اتفق عليها الطرفان. بدأ النبي ﷺ يملي شروط المعاهدة وقال له أن يكتب "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فاعترض سهيل على الفور، قائلًا: "أمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللَّهِ مَا أدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ" فاهتاج المسلمون وأصروا على إملاء ما قاله النبي ﷺ فقال لهم إنه ليس هناك ضرر في اعتماد اقتراح سهيل، ثم شرع بالإملاء: "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" فأوقفه سهيل مرة أخرى قائلًا: "وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ اَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلاَ قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ (كما اقتضت الأعراف) مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ". تابع النبي ﷺ: "بين محمد بن عبد الله، وسهيل ابن عمرو" وعندها احتج علي لأنه كان قد سجل عبارة رسول الله، ويرى أن محو تلك الكلمات سيكون بمثابة تدنيس للمقدسات، فقام النبي ﷺ بمحو تلك الكلمات بنفسه وتمت الكتابة حسب رغبة سهيل.

 

"ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة: "المعاهدة هي أن أهل مكة لن يمنعونا من الطواف بالبيت." فقال سهيل على الفور: "والله لن يكون هذا هذا العام أبداً، وإلا لحقنا العار بين العرب. نعم، يمكنكم أن تأتوا وتطوفوا في العام القادم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حسنًا، اكتبوا ذلك."

وإذا جاء رجل من قريش إلى محمد دون الحصول على إذن من وليه فعليه أن يرده إلى قريش؛ ولكن إذا ذهب أي من أتباع محمد إلى قريش فليس على قريش أن ترده، فبينما الناس على ذلك إذ أبو جندل بن سهيل ابن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، وكان أبوه سهيل قد أوثقه في الحديد وسجنه، فخرج من السجن واجتنب الطريق وركب الجبال حتى أتى الحديبية - فقام إليه المسلمون يرحبون به ويهنئونه، فلما رآه أبوه سهيل قام إليه فضرب وجهه بغصن شوك ثم قال: "يا محمد، هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنا لم نقض الكتاب بعد" قال فوالله إذن لا أصالحك على شيء أبدا.

فقال أبو جندل أي معاشر المسلمين أرد الى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا، فرفع رسول الله ﷺ صوته وقال: يا أبا جندل، اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا مع القوم صلحا وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهدا، وإنا لا نغدر.

كره المسلمون هذه الشروط وامتعضوا منها، وأبى سهيل إلا ذلك.

تم إبرام المعاهدة، وفي كل أمر تقريبًا تنازل النبي صلى الله عليه وسلم عن موقفه وقبِل مطالب قريش، وأوفى بعهده تحت المشيئة الإلهية بكل إخلاص بأن يقبل أي مطلب يأتي من قريش إكرامًا للبيت الحرام وأن يحافظ على حرمة الحرم في كل الأحوال. وكانت شروط المعاهدة كما يلي:

١- أن يعود النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا العام.

٢- يمكنهم القدوم إلى مكة في العام القادم لأداء العمرة، ولكن لا يحملون سلاحاً إلا السيوف في أغمادها، ولا يمكثون في مكة أكثر من ثلاثة أيام.

٣- إذا جاء أحد من أهل مكة إلى المدينة، حتى لو كان مسلماً، فلا يؤويه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بل يرده إليهم. وفي هذا الصدد، تقول صحيح البخاري: 'لَا يَأْتِيْكَ مِنَّا رَجُلٌ وَاِنْ كَانَ عَلٰی دِیْنِکَ اِلَّا رَدَدْتَه اِلَیْنَا' أي 'إن جاءك أحد من رجالنا فعليك أن ترده إلينا.'

أما إذا ترك مسلم المدينة وجاء إلى مكة فلا يُرَد. وفي رواية أخرى أنه إذا جاء أحد من أهل مكة إلى المدينة بدون إذن وليه (أي الوصي عليه) فيجب رده.

٤- من قبائل العرب من أراد أن يكون حليفاً للمسلمين فله ذلك، ومن أراد أن يكون حليفاً لأهل مكة فله ذلك.

٥- تكون هذه المعاهدة سارية المفعول لمدة عشر سنوات، وخلال هذه المدة يتوقف القتال بين قريش والمسلمين."

تمت كتابة نسختين من هذه المعاهدة وقام العديد من الشخصيات المحترمة من الطرفين بالتوقيع عليها كشهود. من جانب المسلمين، كان الموقعون هم: حضرة أبو بكر، حضرة عمر، حضرة عثمان (الذي كان قد عاد من مكة في ذلك الوقت)، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة. بعد إتمام المعاهدة، عاد سهيل بن عمرو بنسخة من المعاهدة إلى مكة، وبقيت النسخة الأخرى مع النبي صلى الله عليه وسلم.

 

عندما انتهى النبي ﷺ من كتابة هذه المعاهدة، قال لأصحابه: "قوموا وانحروا إبلكم ثم احلقوا رؤوسكم"، فلم يقم أحد منهم، حتى قال ﷺ هذا الكلام ثلاث مرات.

شعر النبي ﷺ بالصدمة ودخل خيمته صامتًا.

كانت زوجته أم سلمة، وهي امرأة ذكية، تراقب المشهد. رأته داخلًا حزينًا، فسألته عن ذلك ثم قالت: "يا رسول الله، لا تحزن. أصحابك - بفضل الله - ليسوا عصاة، لكن شروط الصلح جعلتهم مجانين من الحزن."

أشارت عليه بالخروج والتضحية بهدوء، وأكدت أن الصحابة سيتبعونه تلقائيًا. استحسن النبي ﷺ اقتراحها وخرج وذبح هديه وحلق رأسه بصمت.

عندما رأى الصحابة ذلك، انتفضوا كشخص نائم يستيقظ فجأة، وبدأوا بذبح هدايا وحلق رؤوسهم بحماس شديد.