ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 13/12/2024



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 13/12/2024 حيث تابع الحديث عن أحداث من سيرة النبي ﷺ وبالتحديد سرية القرطاء وقال:

في أوائل شهر محرم من السنة السادسة للهجرة، تلقى الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنباء خطر قادم من أهل نجد. وكان هذا التهديد من قبيلة القرطاء، وهي فرع من قبيلة بني بكر، وتقيم في منطقة تسمى الدرعية في نجد، وتقع على مسافة سبعة أيام من المدينة المنورة. وبمجرد تلقي هذا الخبر، أرسل صلى الله عليه وسلم على الفور سرية من ثلاثين جندي إلى نجد بقيادة أحد أصحابه، محمد بن مسلمة الأنصاري (رضي الله عنه). ولكن الله تعالى غرس في قلوب الكفار الرهبة فهربوا بعد مواجهة بسيطة فقط. وكما جرت العادة في الحروب في ذلك الوقت، كانت هذه فرصة للمسلمين لأسر نساء وأطفال العدو، حيث تركهم الرجال وراءهم وانسحبوا، إلا أن محمد بن مسلمة لم يأسر النساء والأطفال، وعاد إلى المدينة بغنائم حرب عامة من الإبل والماعز.

هذا يوضح حقيقة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أرسل هذه السرية بعد تلقيه معلومات عن التخطيط لهجوم على المدينة.

عند العودة من هذه السرية، وقعت حادثة أسر ثمامة بن أثال، الذي كان يقيم في اليمامة وكان زعيمًا مؤثرًا جدًا في قبيلة بني حنيفة. وقد تجاوز في عداوته للإسلام إلى الحد الذي لم يترك فرصة لقتل المسلمين الأبرياء تمر. وفي إحدى المناسبات، تآمر على قتل مبعوث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى منطقته متجاهلًا جميع قوانين الحرب، كما خطط حتى لاغتيال الرسول (صلى الله عليه وسلم) نفسه.

عندما أسر حزب محمد بن مسلمة ثمامة، لم يكن الصحابة على علم بهويته وأسروه على أساس الشكوك فقط. ويبدو أنه قد نجح أيضًا في إخفاء هويته عنهم. فقد كان يعلم أنه ارتكب جرائم شنيعة ضد المسلمين، فإذا عرفوا من هو، فقد يعاملونه بقسوة أو يقتلونه. وكان يتوقع معاملة ألطف من النبي (صلى الله عليه وسلم). وعلى هذا، ظلت هوية ثمامة مخفية عن جماعة محمد بن مسلمة (رضي الله عنه) حتى عودتهم إلى المدينة.

وعند وصولهم إلى المدينة، عُرض ثمامة على النبي ﷺ، فعرفه من الوهلة الأولى وقال لمحمد بن مسلمة وأصحابه: "أتدرون من هذا؟" فأعربوا عن عدم علمهم فأخبرهم بهويته ثم أمر بمعاملته معاملة حسنة كعادته، وذهب إلى منزله وأمر بإرسال ما يوجد من طعام إلى ثمامة. وأمر بربط ثمامة إلى عمود في شرفة المسجد النبوي بدلاً من حبسه في منزل آخر. وكان غرضه صلى الله عليه وسلم أن تكون مجالس وصلاة المسلمين أمام عينيه، عسى أن تؤثر هذه المشاهد الروحانية في قلبه، فيميل إلى الإسلام.

بعد ذلك، خرج النبي ﷺ وسأل ثمامة "ما ذا عندك يا ثمامة"، فقال "عندي خير يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ماشئت" فتركه، ثم مر به مرة أخرى، فقال له مثل ذلك، فرد عليه كما رد عليه أولا، ثم مر مرة ثالثة فقال بعد ما دار بينهما الكلام السابق أطلقوا ثمامة ، فأطلقوه، فذهب إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم جاءه فأسلم. ثم قال: "يا محمَّد! والله! ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله! ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي"

وفي تلك الليلة، عندما أحضر الطعام لثمامة، أكل قليلاً منه وترك الباقي. فتعجب الصحابة من أن ثمامة كان إلى ذلك الصباح يأكل بإسراف ونهم، ولكنه الآن لم يأكل إلا قليلاً. فلما بلغ هذا الخبر النبي ﷺ قال: "حتى الصباح كان ثمامة يأكل أكل الكفار، والآن أكل أكل المسلمين". ثم فسر ذلك بقوله: "المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعيٍ وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ" أي أن المؤمن الحقيقي يحد من احتياجاته الجسدية بالقدر الضروري لمعيشته فقط وذلك لأنه يجد لذته الحقيقية في الدين وحده، والكافر يظل منغمسًا في وسائل الراحة الدنيوية ويصرف كل اهتمامه في الشؤون الدنيوية.

بعد أن أسلم ثمامة (رضي الله عنه) قال للنبي: "يا رسول الله! عندما أسرني رجالك، كنت في طريقي إلى الكعبة للعمرة. فماذا تأمر الآن؟" فأذن له النبي ﷺ فغادر ثمامة إلى مكة. ولما وصلها بدأ يدعو قريش علانية للإسلام، فأسروه وأرادوا قتله، ولكنهم تخلوا عن هذه الفكرة لأنه زعيم اليمامة ولما خرج قال لهم: والله لا تأخذون من أرض اليمامة حبة قمح حتى يأذن لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولما وصل ثمامة إلى اليمامة، أوقف القوافل التجارية إلى مكة، وبما أن جزءًا كبيرًا من إمدادات مكة الغذائية كانت تأتي من اليمامة، فقد تعرضت مكة لأزمة كبيرة ومجاعة فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل يأمر ثمامة بمعاملة الأقارب معاملة حسنة.

كانت قريش قلقة جدًا، فلم تعتمد على هذه الرسالة وحدها، بل أرسلت أيضًا زعيمها أبو سفيان بن حرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتوسله. وعند ذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة أن لا يمنع قوافل الإمدادات الغذائية لقريش. وعلى هذا فقد عادت هذه التجارة إلى نشاطها، ونجا أهل مكة من هذه المحنة.

وفي ختام الخطبة، أعلن أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على المرحومين عبد اللطيف خان، والشهيد طيب أحمد، ومهند أبو عواد الذي استشهد في غزة، ومحمد أيوب بت، والدكتور مسعود أحمد وشبير أحمد لودهي وذكر نبذة من حياتهم ودعا لهم بالرحمة ولذويهم بالصبر والسلوان، آمين.