ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 10/01/2025



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 10/01/2025 حيث تابع الحديث عن أحداث من سيرة النبي ﷺ ومنها سرية زيد بن حارثة وقال:

كانت هذه السرية ضد بني فزارة الذين هاجموا قافلة تجارية للمسلمين وأخذوا أموالها ومؤنها. وكان قائد هذه الجماعة المفسدة امرأة مسنّة تُدعى أم قرفة، وكانت عدوة لدودة للإسلام. عندما تم القبض عليها في المعركة، قام أحد أفراد فريق زيد واسمه قيس بقتلها. ويذكر ابن سعد بأن قتلها تم بربط قدميها بجملين دُفعا باتجاهين مختلفين، فتمزقت نصفين، ثم تم تسليم ابنتها إلى سلمة بن أكوع.

استنادًا إلى هذا الرواية، قام السير وليم موير بتقديم هذا الحادث كمثال على "وحشية" المسلمين بشغفٍ بالغ، وقال:

"في هذا العام، اضطر المسلمون للخروج من المدينة في العديد من الحملات، لكن هذه الحملات ليست جميعها جديرة بالذكر. ولكن لا يمكنني أن لا أذكر إحداها لأنها انتهت بفعل ظالم من المسلمين"

من الناحية العقلية، يجب أن نعلم أنه من غير المعقول قتل امرأة ليس عليها أي اتهام بالقتل في لحظات هادئة، ثم قتلها بالطريقة المذكورة، فالإسلام حتى في ساحة المعركة يمنع بشكل صارم قتل النساء، وفي إحدى المناسبات، وُجدت امرأة من العدو مقتولة في ساحة المعركة، ورغم أنه لم يكن واضحًا في أي ظروف قُتلت، لكن النبي ﷺ غضب عند رؤيتها وأوصى الصحابة بعدم تكرار هذا الأمر. وبالمثل، كلما أرسل النبي ﷺ سرية، كان من النصائح التي يقدمها للصحابة أن لا يقتلوا امرأة أو طفلًا.

إن وجود هذه التوجيهات الأساسية لا يمكن أن يجعل تصرف الصحابة، وخاصة زيد بن حارثة، والذي يُعتبر من أهل بيت النبي ﷺ، مقبولاً في قتل امرأة بهذه الطريقة، رغم أن القتل لم ينسب إليه بل إلى مسلم آخر، لكن بما أن هذه الواقعة كانت تحت قيادة زيد، فالمسؤولية النهائية تُلقى عليه. ومن غير المقبول تمامًا افتراض أن زيد، وهو يعرف توجيهات النبي ﷺ، قد أعطى الإذن لمثل هذا العمل.

بلا شك، إذا ارتكبت امرأة جريمة، فيُمكن أن تُعاقب عليها، إلا أن قتل امرأة بسبب العداوة الدينية أو المشاركة في الحرب، وخاصة بالطريقة الموصوفة في هذه الرواية، يتعارض بشكل صريح مع توجيهات النبي ﷺ ومع تاريخ الإسلام.

إذا قيل إن هذه المرأة كانت مجرمة، كما ذُكر في بعض الروايات، وأنها خططت لقتل النبي ﷺ، فيمكن هنا أن يتخذ الإطار القانوني إلا أن السؤال يبقى: كيف يمكن للصحابة، الذين لم يقوموا بقتل أعدائهم الأكثر قسوة، أن يعاملوا أم قرفة بهذه الطريقة؟ إن افتراض أن زيد قد قتل امرأة مسنّة بطريقة قاسية، لا يمكن أن يُقبل. ولذلك، من المنطقي أن نعتبر هذه القصة مبنية على الكذب والتزوير.

أما بالنسبة للروايات المنقولة، فإن ابن سعد أو ابن إسحاق لم يقدما أي سند لهذه الرواية وبالتالي لا يمكن قبول رواية تتعارض بشكل صارخ مع توجيهات النبي ﷺ.

ثانيا في الكتب الصحيحة مثل صحيح مسلم وسنن أبي داود، لا يُذكر مطلقًا قتل أم قرفة، وهناك اختلاف بين الروايات التي قدمها ابن سعد وغيره. وبما أن الروايات الموثوقة في الصحاح تُعتبر أكثر موثوقية من الروايات التاريخية العامة، فإن رواية صحيح مسلم وسنن أبي داود تُعتبر الأهم.

كما أن ابن سعد وابن إسحاق قد أوردا روايتهما بدون سند، في حين أن مسلم وأبو داود قدماها بسند كامل.

وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود، لا يُذكر اسم أم قرفة، بل يُذكر اسم أبي بكر بدلاً من زيد. لكن هذا لا يعني أنه يمكن الشك بأن هذه سرية مغايرة، حيث توجد تفاصيل حاسمة مشتركة بين الروايات، مثل:

تم التأكيد في كلتا الروايتين أن هذه الحملة كانت ضد بني فزارة.

كُتب في كلاهما أن هذه الحملة كانت لإمرأة مسنّة وأنها قد قتلت.

وذُكر أن ابنتها كانت معها وأنها وقعت في حصة سلمة بن أكوع.

كما أن الباحثين السابقين قد ذكروا صراحة أن رواية مسلم وسنن أبي داود تتناول نفس الحادث المذكور بشكل مختلف عن ابن سعد. وقد صرح العلامة الزرقاني والإمام السهيلي والعلامة الحَلَبي بشكل قاطع أن هذه هي نفس الرواية التي تناولها ابن سعد وابن إسحاق بشكل خاطئ. كما ذكر الطبري هاتين الروايتين معًا موضحًا أنهما لنفس الحدث.

إذن لا يبقى هناك مجال للشك بأن واقعة "القتل الظالم" لأم قرفة هي حادثة ملفقة بالكامل وقد وصلت إلى بعض الروايات التاريخية بفضل عدو خفي للإسلام أو منافق. ولا يعتبر إدراج حادثة خاطئة في التاريخ أمرًا غريبًا، إذ يمكن العثور على أمثلة من هذا القبيل في تاريخ كل الأمم.

وهناك سرية أخرى تسمى سرية عبد الله بن عتيك حيث أرسل النبي ﷺ فريقًا من أصحابه إلى أبي رافع اليهودي، وأمر عليهم عبد الله. وكان سبب هذه الغزوة أن أبا رافع كان يؤذي النبي ﷺ بشدة ويثير الناس ضده ويعينهم.

عندما اقترب عبد الله ورفاقه من قلعة أبي رافع وغربت الشمس، ترك عبد الله رفاقه خلفه وتوجه وحده إلى باب القلعة، وجلس قرب الباب مغطىً بعباءته. وعندما جاء الشخص المسؤول عن إغلاق الباب، نظر إلى عبد الله وقال: "سأغلق باب القلعة، إن كان لديك حاجة فادخل سريعًا." فدخل عبد الله بسرعة وذهب إلى جانب القلعة.

بعد أن أغلق ذلك الشخص الباب وعلّق المفتاح على عتبة قريبة، خرج عبد الله من مخبئه وفتح قفل الباب ليتمكن من الخروج بسرعة عند الحاجة. كان أبو رافع في العلية ومعه عدد من الأشخاص يتحدثون. عندما انصرف الناس وساد الهدوء، صعد عبد الله إلى غرفة أبي رافع.

في تلك اللحظة، كان أبو رافع قد أطفأ المصباح ليخلد إلى النوم، وكانت الغرفة مظلمة تمامًا. نادى عبد الله أبا رافع، ولكن عند سؤاله "من هناك؟" انطلق عبد الله تجاه الصوت وضربه بسيفه بشدة، لكن نظرًا للظلام والارتباك، أخطأ الضربة. فصرخ أبو رافع، فخرج عبد الله من الغرفة. بعد فترة، عاد عبد الله إلى الغرفة، لكن هذه المرة غيّر صوته وسأل: "من كان يتحدث؟" ولم يتعرف أبو رافع على صوته فقال: "لعنة الله عليك! لقد هاجمني شخص ما بسيفه!" وعند سماع ذلك، انطلق عبد الله مجددًا وضربه هذه المرة ضربة ناجحة، لكن أبا رافع لم يمت، مما أجبر عبد الله على توجيه ضربة أخيرة تسببت في قتله.

بعد ذلك، هرع عبد الله لفتح الأبواب والخروج، ولكن أثناء نزوله من الدرج، أخطأ في تقدير خطواته وسقط في ظلام الليل، مما أدى إلى كسر ساقه، فربطه بعمامته وزحف للخارج واختبأ بجوار القلعة.

وعندما أشرقت الشمس، سمع صوتًا من داخل القلعة يقول: "مات أبو رافع، تاجر الحجاز." حينها، نهض عبد الله وذهب إلى أصحابه، ثم عادوا إلى المدينة ليخبروا النبي ﷺ بوفاة أبي رافع. وبعد أن استمع النبي ﷺ إلى ما جرى، قال لعبد الله: "مدّ قدميك." فدعا له وبعد ذلك شعر عبد الله كأنه لم يتعرض لأي أذى.

ورد في سيرة خاتم النبيين: لا حاجة لنا إلى البحث في تبرير قتل أبي رافع، لأن مكائده الدموية منتشرة على أوراق التاريخ بكل وضوح.

كانت حالة المسلمين آنذاك ضعيفة جدا، إذ كانوا محاطين بالأخطار والمصائب من كل حدب وصوب. كان البلد كله متحدا على القضاء عليهم قضاء نهائيا.

وفي تلك الظروف العصيبة كان أبو رافع يحرّض القبائل المختلفة ضد الإسلام ويَعُدُّ عدتَه ليهاجم المدينة بالتعاون مع قبائل العرب كلها، وهكذا لم تكن هناك طريقة سوى هذه الطريقة تضمن استتباب الأمن، ولم يكن بالإمكان حيلة أخرى تضمن حفظ الأنفُس.