ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 17/01/2025
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 17/01/2025 حيث تابع الحديث عن أحداث من سيرة النبي ﷺ ومنها سَرِيَّة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إلى أُسَيْر بن رِزام في خيبر.
عندما قُتل أبو رافع بن أبي الحُقيق، نصّب اليهود أُسَيْر أميرًا عليهم. فقام فيهم خطيبًا وقال: والله! ما توجه محمد ﷺ إلى أحد من اليهود أو أرسل أحدًا من أصحابه إلا ونجح في ما أراد. لكني سأفعل ما لم يفعله أحد من أصحابي. فسأله اليهود: ما الذي تنوي فعله؟ فقال: سأذهب إلى قبيلة غطفان وأجمعهم، ثم نهجم على محمد ﷺ في بيته. فإن المرء إذا هاجم عدوه في بيته، فإنه يحقق بعض أهدافه. فقال اليهود: فكرة جيدة. فذهب إلى غطفان والقبائل الأخرى وبدأ في حشدهم للحرب ضد رسول الله ﷺ.
فلما بلغ الخبر رسول الله ﷺ، أرسل عبد الله بن رواحة مع ثلاثة رجال سرًا في شهر رمضان للتحقق من حقيقة هذا الخبر. فذهبوا، وتأكدوا من صحة هذه الأخبار حيث تجولوا حول حصون خيبر ووصلوا إلى مجالس أُسَير وسمعوا ما يدبره وأصحابه ضد النبي ﷺ ثم عادوا.
وفي تلك الأيام، جاء رجل غير مسلم يدعى خارجة بن حُسَيل بالصدفة من خيبر إلى المدينة، وأكد ما قاله عبد الله بن رواحة، وقال إنه ترك أُسَير يجمع جيشه للهجوم على المدينة.
بعد هذا التأكيد، أرسل النبي ﷺ فرقة من ثلاثين صحابيًا تحت إمرة عبد الله بن رواحة إلى خيبر. ومع أن الروايات لا تبين ما هي التعليمات التي أعطاها النبي ﷺ لهذه الفرقة، لكن من المحادثة التي جرت في خيبر بين ابن رواحة وابن رِزام يتضح أن قصد النبي ﷺ كان دعوة أُسَير إلى المدينة للتوصل إلى اتفاق يوقف الفتنة ويحقق الأمن والسلام في البلاد. وكان النبي ﷺ مستعدًا في هذه الرغبة إلى حد الاعتراف بأُسَير أميرًا على منطقة خيبر، شريطة أن يكف عن إثارة الفتنة ضد المسلمين في المستقبل.
عندما وصلت فرقة عبد الله إلى خيبر، طلبوا أولاً عهد الأمان من أُسَير للمحادثة، مما يدل على أن الخطر كان قد تزايد لدرجة أن المسلمين خشوا من احتمال غدر أُسَير خلال المحادثات. وافق أُسَير، لكنه طلب نفس العهد من ابن رواحة للحفاظ على كرامته.
وبعد هذا الاتفاق، بدأ عبد الله بن رواحة محادثته بأن النبي ﷺ يريد عقد معاهدة سلام لوقف هذه الحرب، وأفضل طريقة لذلك هي أن يأتي أسير شخصيًا إلى المدينة للتحدث مع النبي ﷺ، وقال: "إذا تم مثل هذا الاتفاق، فإني آمل أن يعاملك رسول الله ﷺ بإحسان، وربما يتم الاعتراف بك رئيسًا لخيبر."
أعجب هذا الاقتراح أُسَير، الذي كان شديد الطموح، أو ربما كان يخفي نية أخرى في قلبه، فجمع وجهاء يهود خيبر واستشارهم في هذا الاقتراح، فعارضوا وقالوا لأُسَير: "لا نظن أن محمدًا ﷺ سيعترف بك أميراً على خيبر." لكن أُسَير ظل مصرًا على رأيه وقال: "قد سئم محمد من هذه الحرب ويريد أن يتوقف هذا القتال بأي طريقة."
وافق أُسَير على الذهاب إلى المدينة مع فرقة عبد الله بن رواحة، وأخذ معه ثلاثين يهوديًا كما فعل عبد الله. وعندما وصلت الفرقتان إلى موضع يسمى قَرْقَرَة، على بعد ستة أميال من خيبر، تغيرت نية أُسَير، أو إذا كانت نيته سيئة من قبل فيمكن القول إن وقت إظهارها قد حان. فأثناء الحديث، مد يده بمكر نحو سيف عبد الله بن أُنَيس الأنصاري الذي أدرك فوراً تغير نوايا هذا التعيس، فصاح بأُسَير: "يا عدو الله، أتريد أن تغدر بنا؟" كرر عبد الله بن أُنَيس هذه الكلمات مرتين، لكن أُسَير لم يرد ولم يبرر نفسه، بل كان مستعدًا للقتال.
كانت هذه على الأرجح إشارة متفق عليها مسبقًا بين اليهود للهجوم جماعيًا على المسلمين. فاندلع القتال بالسيوف في الطريق. ورغم أن الفرقتين كانتا متساويتين في العدد، وكان اليهود مستعدين ذهنيًا سابقًا على عكس المسلمين، إلا أن فضل الله كان عظيمًا حيث أصيب بعض المسلمين لكن لم يقتل منهم أحد، بينما لقي جميع اليهود حتفهم جزاء غدرهم.
عاد الصحابة إلى المدينة وأُخبر النبي ﷺ بالأحداث، فشكر الله على سلامتهم وقال: "قَدْ نَجَّاكُمُ اللّٰهُ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِيْنَ".
اعترض بعض المؤرخين المسيحيين على هذه الحادثة بقولهم إن فرقة عبد الله بن رواحة أخرجت أُسَير وجماعته من خيبر بنية قتلهم في الطريق. لكن هذا الاعتراض ليس سوى مظهر مؤسف من مظاهر التعصب الغربي ولا يحمل أي حقيقة. فلا دليل على أن المسلمين ذهبوا بهذه النية، بل وبغض النظر عن الأدلة الأخرى، فإن كلمات عبد الله بن أُنَيس: "يا عدو الله! أتنوي الغدر؟" ثم كلمات النبي ﷺ: "قد نجاكم الله من القوم الظالمين" تكفي لإثبات أن نية المسلمين كانت سلمية تمامًا، وأن ما حدث كان نتيجة لغدر اليهود.
وهناك سَرِيَّة عَمْرو بن أُمَيَّة الضَّمْرِي رضي الله عنه إلى أبي سفيان حيث كانت ذكرى الفشل المذل في غزوة الأحزاب تشعل النار في أجساد قريش، وخصوصًا أبي سفيان كونه رئيس مكة، فبدأ يفكر لماذا لا يتم القضاء على النبي بتدبير خفي.
كان يعرف أن النبي ﷺ لا يحيط به حرس ويمشي في شوارع المدينة ويأتي إلى المسجد يوميًا خمس مرات على الأقل للصلوات. فأي فرصة أفضل من هذه لقاتل مأجور؟ وما إن خطرت هذه الفكرة حتى بدأ أبو سفيان سرًا في تثبيت خطة لقتل النبي ﷺ. وعندما عزم على هذا القرار، قال يومًا لبعض شباب قريش: "أليس فيكم رجل شجاع يذهب إلى المدينة ويقضي سرًا على محمد ﷺ؟ فتحمس هؤلاء الشباب للفكرة، وبعد أيام جاء شاب بدوي إلى أبي سفيان وقال: "سمعت عن اقتراحك وأنا مستعد له. أنا رجل قوي القلب ومحترف، قبضتي قوية وهجومي سريع. إذا ساعدتني، فأنا مستعد للذهاب لقتل محمد، ولدي خنجر سيكون خفيًا كريش النسر الخفي. سأهاجم محمدًا ثم أهرب وأختلط بقافلة ما ولن يستطيع المسلمون القبض علي. وأنا خبير بطرق المدينة."
فوافق أبو سفيان وأعطاه بعيرًا نظيفًا، وعباءة، وثوبًا، وصرفه، وحثه على أن لا يكشف هذا السر لأحد. خرج هذا الرجل من مكة نحو المدينة، مختبئًا نهارًا ومسافرًا ليلاً، فوصل في اليوم السادس، وذهب مباشرة إلى مسجد بني عبد الأشهل حيث كان النبي ﷺ حينها، وفي تلك الأيام كان الناس يأتون إلى المدينة المنورة، فلم يكن لدى أي مسلم أي شك فيه، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم مقبلاً نحوه قال: "هذا الرجل جاء بغيضًا"، فلما سمع هذه الكلمات تقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتنهد. ولكن زعيم الأنصار أسيد بن حضير أمسك به فجأة، وفي أثناء الصراع لمست يده خنجره المخفي، فقال في خوف: "دم الحياة، دم الموت". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اصدقني، من أنت، وما الذي جئت من أجله؟" قال: "إن نجوت لأخبرنك". قال: نعم، إن صدقت في حديثك غُفر لك، فقص القصة على النبي صلى الله عليه وسلم. وبعد ذلك أقام هذا الرجل في المدينة بضعة أيام ثم خرج منها.
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم إلى مكة، وعندما وصلا تنبهت قريش، فعاد هذان الصحابيان إلى المدينة. وفي الطريق التقيا بجواسيس من قريش استأجرهما زعماؤها لمعرفة تحركات المسلمين ومكان تواجدهم ومعرفة حال الرسول صلى الله عليه وسلم، فحاولا القبض عليهم ولكنهم قاوموا فقتل جاسوس واحد وأُسر الآخر.
وفي ختام الخطبة ذكر أمير المؤمنين نصر الله أن الأوضاع تسوء أكثر في باكستان وقد قام المعارضون بهدم مسجد كامل للجماعة يعود تاريخه لما قبل تقسيم الهند، فدعا الله أن يرد مكرهم ويبطش بهم. فيجب الدعاء كثيرا لباكستان وكذلك لفلسطين حيث تجري اتفاقية الآن لوقف النار ويجب الدعاء للمسلمين ليتعقلوا حتى ينالوا حقوقهم، ثم أعلن أنه سيصلي الغائب على بعض المرحومين ومنهم الأستاذ منير إدلبي من سورية الذي خدم الجماعة لسنوات طويلة، وذكر نبذة عن حياة المرحومين ودعا لهم ولذويهم.