ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 24/01/2025
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 24/01/2025 حيث تابع الحديث عن أحداث من سيرة النبي ﷺ ومنها سَرِيَّة كرز بن جابر:
كانت هذه الأيام خطيرة جدًا على المسلمين حيث كان البلد كله يشتعل بنار العداوة بتحريض من قريش واليهود. وفي إطار سياستهم الجديدة، قرروا إلحاق الضرر بالمسلمين بطرق خفية بدلاً من شن هجوم مباشر على المدينة. وفي شوال سنة 6 هجرية، جاء بعض الرجال من قبيلتي عُكْل وعُرَيْنَة، وكان عددهم ثمانية، إلى المدينة وأظهروا محبتهم للإسلام وأسلموا. وبعد إقامتهم لفترة، اشتكوا من مشاكل في المعدة والكبد بسبب مناخ المدينة، فجاءوا إلى النبي ﷺ وقالوا: "يا رسول الله! نحن أهل البادية وقد قضينا حياتنا مع الحيوانات ولسنا معتادين على حياة المدينة، لذلك مرضنا، يا رسول الله، إذا أذنت لنا فسنذهب خارج المدينة حيث ترعى إبلك" فأذن لهم النبي ﷺ. فخرجوا بإذن النبي ﷺ إلى المرعى حيث كانت إبل المسلمين. وعندما استقروا هناك، وتفحصوا المكان، وأصبحوا في صحة جيدة بعد شرب ألبان الإبل والعيش في الهواء الطلق، هجموا فجأة على رعاة الإبل وذبحوهم كما تُذبح البهائم، ثم غرسوا أشواك الصحراء في ألسنتهم وهم لا يزالون على قيد الحياة، حتى إذا حاولوا إصدار صوت أو تحركوا، زادت الأشواك من عذابهم. ولم يكتف هؤلاء الظالمون بذلك، بل أخذوا أسياخًا محماة وسملوا بها أعين المسلمين شبه الموتى. وهكذا مات هؤلاء المسلمون الأبرياء في العراء يتلوون من شدة العذاب. وكان من بينهم خادم خاص للنبي ﷺ يُدعى يَسَار، كان مسؤولاً عن رعي إبل النبي ﷺ.
وبعد أن أتم هؤلاء الوحوش عملهم الوحشي، جمعوا الإبل وساقوها معهم. وصل الخبر إلى النبي ﷺ عن طريق أحد الرعاة الذي نجا بالصدفة، فأرسل ﷺ على الفور مجموعة من الصحابة في أثرهم. ومع أن القوم قد قطعوا مسافة، إلا أن الله يسّر للمسلمين أن يلحقوا بهم ويأسروهم ويعودوا بهم مقيدين.
في ذلك الوقت لم تكن الأوامر التي تنص على كيفية التعامل مع من يرتكب مثل هذه الأفعال قد نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بعد، ولذلك طبق النبي صلى الله عليه وسلم القاعدة القديمة التي كانت تقضي بأنه طالما لم ينزل حكم جديد من الإسلام، فيجب اتباع طريقة أهل الكتاب. وفقًا للشريعة الموسوية، أُمر بأن يتم التعامل مع هؤلاء الظالمين بنفس الطريقة التي عاملوا بها المسلمين، أي أن يتم أخذ القصاص منهم لكي تكون هذه العقوبة عبرة للآخرين. لذلك تم تنفيذ حكم الإعدام في هؤلاء الأشخاص في أرض مفتوحة خارج المدينة، ولكن الله سبحانه وتعالى قد قدّر شريعة أخرى للإسلام، فسرعان ما نزلت الأوامر الجديدة التي تمنع مثل هذه العقوبات الانتقامية، وأعلنت أن أي تشويه لجسد القتيل أو تقطيع أطرافه أو غير ذلك من الأعمال الوحشية أمر محرم. ومن المهم أن نذكر هنا أن هؤلاء الأشخاص جاءوا إلى المدينة منذ البداية بنوايا سيئة، وكانوا ربما قد تلقوا تعليمات مسبقة للقيام بهذا الفعل ضد المسلمين وإلحاق الأذى بهم، وقد يكون لديهم نية سيئة ضد النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا. ولكن عندما لم يحصلوا على فرصة لتحقيق ذلك داخل المدينة، اقترحوا الخروج من المدينة لتنفيذ هذه الأفعال. ويظهر من سلوكهم تجاه رعاة المسلمين أنهم لم يتصرفوا مثل اللصوص، بل كانت أفعالهم انتقامية بحتة. فإذا كانوا قد أسلموا بصدق في البداية، وكانوا قد تغيروا بعد رؤية الإبل، لكان من المفترض أن يهربوا بالإبل وإذا حاول أحد الحراس منعهم، كان يمكنهم ضربه ثم الهروب. ولكن الطريقة التي قتلوا بها رعاة المسلمين ووضعوا أنفسهم في خطر لتنفيذ هذا الفعل الوحشي، تظهر بوضوح أن هذا لم يكن ناتجًا عن طمع مفاجئ، بل كان عملًا عدائيًا ينبع من حقد طويل الأمد.
أما ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من عقاب لهم، فكان مجرد قصاص ورد فعل وفقًا للشريعة الموسوية قبل نزول الأحكام الإسلامية. ولكن بعد ذلك نزلت الأحكام الإسلامية، وأعلنت أن الأفعال الوحشية في الانتقام غير مشروعة. وقد في صحيح البخاري: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد ذلك يحث على الصدقة وينهى عن المثلة".
وهناك غزوة ذي قَرَدْ وتُسمى أيضًا غزوة غَابَة، لأنَّ لقاح النبي صلى الله عليه وسلم كانت ترعى هناك. وغَابَة ساحة تقع على بعد أربعة أميال من المدينة في الجهة الشمالية الشرقية من جبل أحد.
ويطلق عليها غزوة ذي قَرَدْ لأن عُيَيْنَة بن حصن، الذي غزا إبل النبي صلى الله عليه وسلم، وتبعته رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ذي قَرَدْ. وذو قَرَدْ بئر يقع على بعد نحو اثني عشر ميلاً من المدينة.
كانت لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرين لقحة وكانت ترعى في طريق خيبر، وكان أبو ذر فيها، فأغار عليهم عيينة بن حصن الفزاري، في أربعين فارسا فاستاقوها، وقتلوا ابن أبي ذر.
كان عُيَيْنَة بن حصن قائدًا لقبيلة بني فَزَارَة في غزوة الأحزاب عندما خططت جيوش الكفار للانضمام إلى بني قريظة للهجوم على المدينة بشكل كبير.
كان أبو ذر قد استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى لقاحه، فقال له صلى الله عليه وسلم - "إني أخاف عليك من هذه الضاحية ونحن لا نأمن من عيينة بن حصن وذويه فألح عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لكأني بك قد قتل ابنك وأخذت امرأتك، وجئت تتوكأ على عصاك" فكان أبو ذر يقول: عجبا لي، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لكأني بك" وأنا ألح عليه، فكان - والله - ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله إني لفي منزلنا، ولقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد روحت وعطفت وحلبت عتمتها، ونمنا، فلما كان الليل أحدق بنا عيينة بن حصن في أربعين فارسا، فصاحوا بنا وهم قيام فأشرف لهم ابني فقتلوه.
وصل الخبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مع أصحابه لمطاردة المغيرين.