ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 31/01/2025
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 31/01/2025 حيث تابع الحديث عن غزوة ذي قَرَدْ وقال:
أقبل رسول الله ﷺ وأصحابه فإذا هم بأبي قتادة مسجى في ثيابه، فقال أحدهم: يا رسول الله، استشهد أبو قتادة، فقال رسول الله ﷺ: "رحم الله أبا قتادة، والذي أكرمني بما أكرمني به إن أبا قتادة على آثار القوم يرتجز".
فخرج عمر بن الخطاب وأبو بكر - رضي الله عنهما - يسعيان حتى كشفا الثوب، فإذا وجه مسعدة، فقالا: الله أكبر، صدق ورسوله، مسعدة يا رسول الله.
فكبر الناس، ولم ينشب أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللقاح، فقال رسول الله ﷺ أفلح وجهك يا أبا قتادة، أبو قتادة سيد الفرسان، بارك الله فيك يا أبا قتادة.
فقال أبو قتادة: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، سهم أصابني. فقال ﷺ: "ادن مني يا أبا قتادة " فدنا منه فنزع ﷺ النصل نزعا رفيقا، ثم بزق فيه ووضع راحته عليه، فلم تمر ساعة حتى لم يبق أي قرح قط.
وهناك سرية أبان بن سعید إلی نَجْد، فقبل التوجه إلى خيبر، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشًا إلى نجد تحت قيادة أبان بن سعيد بهدف حماية المدينة من القبائل المعادية في غياب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذه القبائل كانت تتحين دائمًا الفرصة المناسبة، وكان خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة من المدينة يُعتبر أنسب فرصة لشن هجوم على المدينة.
أما عن غزوة خيبر، فخيبر واحة خضراء واسعة، مزدهرة بالعيون والمياه الوفيرة، وهي من أكبر بساتين النخيل في الجزيرة العربية. وكان اليهود مستوطنين هناك منذ القدم.
كانت بعض قبائل اليهود تسكن في المدينة أيضًا، لكن ما ميز يهود خيبر أنهم كانوا يتفوقون على جميع اليهود الآخرين في الشجاعة والثبات في القتال، وكانوا أكثر اتحادًا فيما بينهم مقارنة بغيرهم. ولهذا السبب، كانوا يُعتبرون قوة عسكرية مهمة في شبه الجزيرة العربية.
كانت جذورهم العدائية قد نمت إلى حد كبير. ولم يدخروا في البغض والعداوة جهدًا في استخدام جميع قواهم للقضاء على الإسلام وعلى النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى العكس من ذلك، عامل النبي صلى الله عليه وسلم يهود المدينة باللين دائمًا، وعقد معهم معاهدات السلام، وكلما نقضوا العهد أو خالفوه، كان مسعاه الأول هو العفو والصفح.
حتى إنهم حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم مرات عديدة، وتعاونوا مع القوى الخارجية لمهاجمة المدينة في خرق للمعاهدة. ولو عوقب كل هؤلاء اليهود بأشد العقوبات كجزاء لذلك، لكان ذلك عين العدل والإنصاف. لكن عفو النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته كانا عظيمين لدرجة أنه منحهم الأمان على أرواحهم وأموالهم، ونفاهم من المدينة مع السماح لهم بأخذ ما استطاعوا حمله. ولو كان هدف النبي صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله - الإكراه، لما سامح يهود المدينة على نقضهم المتكرر للعهد، ولو كان هدفه سفك الدماء، لما منح بني قينقاع وبني النضير الأمان ليغادروا المدينة بسلام، ولو كان هدفه الحصول على المال والثروة، لما سمح لبني النضير - الذين كانوا يُعتبرون أغنى جماعة في الجزيرة العربية - بحمل ذهبهم وفضتهم في القِرب والأكياس الكبيرة أمام أهل المدينة.
وبعد كل هذا الإحسان والعفو الذي أظهره النبي صلى الله عليه وسلم تجاه يهود المدينة، كان ينبغي عليهم بعد استيطانهم في خيبر أن يعيشوا في جو من السلام والأمن تجاه الإسلام ومؤسسه.
وبعد نفي اليهود من المدينة، استقر عدد منهم في خيبر. لكن خيبر، التي كانت أصلاً قوة عسكرية كبيرة، أصبحت الآن مركزاً للمؤامرات الخطيرة ضد المسلمين.
فقد كان يهود خيبر هم الذين ذهبوا بوفد كبير، يضم كبار زعمائهم، إلى مكة للقاء المشركين، ووضعوا خطة للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام. وبعد كسب موافقتهم، ذهب وفدهم إلى القبائل المتفرقة المحيطة، وأعدوا قبيلة تلو الأخرى حتى جمعوا جيشًا كبيرًا قوامه خمسة عشر ألف مقاتل وهاجموا المدينة في معركة الخندق. ولا شك في أنه لولا تأييد الله تعالى ونصره الخاص للإسلام، لربما محي اسم المدينة والمسلمين. ولا شك في أن المدبرين الرئيسيين لهذه المؤامرة الخطيرة كانوا يهود خيبر، الذين كانوا منشغلين الآن بالقضاء على المسلمين في كل وقت.
حتى العقوبة الشديدة التي نالها بنو قريظة في المدينة على نقضهم للعهد أول مرة لم تكن سبباً في تغيير سلوك يهود خيبر. لذلك أصبح من الضروري جداً اتخاذ إجراء مباشر ضد هذه الأمة الناقضة للعهود والمتآمرة لاستعادة السلام في المنطقة، وليتمكن كل شخص من ممارسة دينه ومعتقده في مكانه بسلام وأمان وبدون خوف، حتى "يَكُونَ الدِّينُ لِلهِ" - أي يكون الدين خالصاً لله، ولا يكون هناك إكراه في الدين، لأن هذا أمر بين الله وعباده.
فبعد عودة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية، انتظر خمسة أشهر ثم قرر إقصاءهم من خيبر، فقد كانت خيبر على مسافة قليلة من المدينة ومن هنا وجد اليهود أنه من السهل اليسير عليهم الاستمرار في الكيد والتآمر ضد المسلمين.
ولهذا سار الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليهم بعد فترة وجيزة من صلح الحديبية. وعندما نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى خيبر أعلن أنه لن يخرج معه إلا من شهد صلح الحديبية.
عند سماع نبأ التقدم نحو خيبر، لم يكتف يهود المدينة بالتعبير عن كراهيتهم وعدائهم وتحاملهم على المسلمين، بل استأجروا أعرابيًا من قبيلة أشجع وأرسلوه على الفور نحو خيبر، وزودوه بالمعلومات اللازمة عن استعدادات المسلمين للحرب، وأعطوه رسالة ليهود خيبر بأن عليهم أن يواجهوا المسلمين بشجاعة.
وأرسل زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول على الفور رسالة عن طريق أحد أعوانه إلى يهود خيبر، وكان فحواها "إن محمدًا قادم إليكم، خذوا التدابير وأدخلوا أموالكم في حصونكم، واخرجوا إلى الميدان لحربه، ولا تخافوا على الإطلاق، فإن عددكم كبير وقوم محمد (صلى الله عليه وسلم) قليلون، وليس معهم إلا القليل من السلاح".
وفي ختام الخطبة، أعلن أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على بعض المرحومين وذكر نبذة من حياتهم.