ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 14/02/2025
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 14/02/2025 حيث تابع الحديث عن غزوة خيبر وقال:
كان الحصن الثاني في خيبر حصن الصعب بن معاذ، وكان عدد مقاتليه خمسمئة رجل، وكانوا مجهزين بطعام وموارد أكثر من كل القلاع الأخرى.
حوصر هذا الحصن لمدة ثلاثة أيام حيث كان منيعًا جدًا. وواجهت قبيلة بنو أسلم جوعًا شديدًا فطلبوا من أسماء بنت حارثة أن تبلغ حالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وعندما علم النبي صلى الله عليه وسلم بحالهم، دعا وقال: "اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غَنَاء، وأكثرها طعامًا ووَدَكًا" ثم أعطى الراية إلى الحباب بن المنذر، فخرج من الحصن عدد من اليهود، وقاتلهم بعض المسلمين وهزموهم، ثم دخل الحباب الحصن، ودارت معركة ضارية، ثم فتح الحصن واستولى المسلمون على الطعام والموارد. وكانت الغنائم كميات كبيرة من الطعام، وأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالأكل منه وإطعام الدواب.
أما الحصن الثالث في خيبر فهو حصن الزبير بن العوام. يقع هذا الحصن على جبل، فحاصره الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام.، فجاءه رجل يهودي وقال: يا أبا القاسم، إنك لو أقمت شهرًا ما بالوا، إن لهم شرابًا وعيونًا تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك. فقطع ماءهم عليهم، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال، قتل فيه نفر من المسلمين، وأصيب نحو العشرة من اليهود، وافتتحه رسول الله ﷺ.
وبعد ذلك توجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حصون الشق وهي المجموعة الثالثة من حصون خيبر، وكان الشق يتألف من حصنين، الأول حصن أبي. فصعد الرسول صلى الله عليه وسلم جبلاً وبدأ بمهاجمة هذا الحصن. فخرج يهودي للمبارزة، فهزمه الحباب (رضي الله عنه). وخرج رجل آخر، فتقدم رجل من جيش المسلمين فاستشهد. ثم تقدم أبو دجانة (رضي الله عنه) من بين المسلمين وهزم اليهودي. وبعد ذلك لم يرسل اليهود أحدًا للمبارزة، وشن المسلمون هجومًا جماعيًا على الحصن. ففر جميع اليهود تاركين وراءهم مواشيهم وأسلحتهم، ولجأوا إلى حصن الشق الثاني.
طارد المسلمون اليهود، فبدأ اليهود يطلقون سهامًا كثيرة من فوق أسوار حصنهم العالية. فرد المسلمون بالسهام. وكان اليهود يوجهون سهامهم بشكل خاص إلى المكان الذي أقام فيه الرسول صلى الله عليه وسلم معسكره، حتى جاءه سهم مزق ثيابه، فأخذ بيده حجارة فرمى بها نحو الحصن، فارتجف الحصن وزلزل، ثم هُزم.
ثم توجه الرسول صلى الله عليه وسلم نحو حصون الكتيبة وهي ثلاثة حصون كبيرة: حصن القموص، وحصن الوطيح، وحصن السلالم. وكان القموص أكبرها وأمنعها. وبعد أن لجأ اليهود المهجرون إلى هذه الحصون، لم يخرج أحد للمبارزة، ولم ينظروا من فوق الأسوار. حاصر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحصون لمدة أربعة عشر يومًا، وبعدها تقرر رمي الحصون بالحجارة.
لجأ اليهود إلى محاولة المصالحة مع المسلمين بعد أن أدركوا أن هزيمتهم قد اقتربت. فأرسل كنانة بن أبي الحقيق إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يريد التحدث إليه، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج كنانة من الحصن وعقد مع المسلمين معاهدة سلام. وسلم اليهود ممتلكاتهم، وجمع المسلمون الغنائم.
وقد وردت روايات أخرى عن هذا النصر، ففي بعض كتب التاريخ ذكر أن حصن القموص حوصر عشرين يومًا، وفتح بعد معركة عنيفة قادها علي (رضي الله عنه).
إذن، عقدت معاهدة بين اليهود والمسلمين، وكان الشرط الأول فيها أن يخلي اليهود جميع الحصون ويتركوا جميع أسلحتهم لجيش المسلمين. والشرط الثاني حسب المفاوضات أن يحمي الرسول (صلى الله عليه وسلم) اليهود، وبذلك يكون الجميع في أمان. والشرط الثالث أن ينفى اليهود ويتوجهوا إلى الشام. والشرط الرابع أن يسمح المسلمون لليهود عند نفيهم أن يأخذوا معهم من الثروات والموارد ما تستطيع دوابهم حمله. والشرط الخامس أن يخبر اليهود المسلمين بكل ما أخفوه ويسلموه إلى المنتصرين. الشرط السادس: أن لا يكون المسلمون مسؤولين عن أي شخص يخالف أي شرط من الشروط المنصوص عليها أو يخفي معلومات يجب الكشف عنها في ضوء الاتفاق.
ومع أن الاتفاق كان يقتضي من اليهود مغادرة خيبر والذهاب إلى الشام، إلا أنهم طلبوا السماح لهم بالبقاء هناك من أجل الاعتناء بمزارعهم، وخاصة أنهم يعرفون محاصيلهم جيدًا. فأذن لهم الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بالبقاء في خيبر لمواصلة زراعتهم. وعاملهم برحمة عظيمة. ووفقًا للاتفاق، يحق للمسلمين نصف المحصول.
هناك بعض الروايات الواردة عن أحداث ما بعد خيبر، ومنها أنه بعد أن استقرت الأوضاع، أُحضر كنانة، زعيم خيبر، وأخيه الربيع، إلى النبي (صلى الله عليه وسلم). كان لدى كنانة كنوز زعيم بني النضير، حيي بن الأخطب، فسأله النبي (صلى الله عليه وسلم) عنها، فزعم أنها أنفقت كلها بعد نفي بني النضير من المدينة. حاول أحد اليهود إقناع كنانة بالكشف عن مكان الكنز، ولكنه أنكر وجوده. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) إنهم إذا كانوا يخفون شيئًا ما ثم اكتشف لاحقًا، فلن يكونوا في مأمن.
ووفقًا لإحدى الروايات، أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) رجلاً من الأنصار إلى مكان معين حيث كان هناك شيء مخفي بين التمر. وعند اكتشافه الكنز المخفي قتل اليهوديان لنقضهما العهد، وأسر عائلتيهما.
هذه رواية لا نعرف صحتها. وفي رواية أخرى، أُحضر كنانة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنكر علمه بالكنز. وأحضر يهودي آخر اسمه ثعلبة، واعترف برؤية كنانة يقضي وقتًا في مكان معين في الصباح. واستعاد الصحابة بعض الكنز، ورفض كنانة الكشف عن مكان الباقي. ونتيجة لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله. وعندما قارب الموت، كشف كنانة عن مكان الكنز المتبقي، وبدلاً من قتله لنقضه العهد، قُتل قصاصًا لقتله مسلم.
إن هذه الحادثة مسجلة على نحو يتناقض مع أسوة النبي صلى الله عليه وسلم ورواياتها متباينة.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تسامحًا ورحمة، فقد أمر بعدم إيذاء النساء والأطفال، وقبل أن ينطلق إلى خيبر نصح أصحابه بأن يبقى كل من يريد أن يجمع الغنائم، لأن ذلك لم يكن الهدف. لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم منارة عدل مضيئة، وأي رواية تتناقض مع أسوته يجب أن يتم تحليلها على هذا الأساس للتأكد من صحتها.
وفي ختام الخطبة، أعلن أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على المرحوم الأستاذ منصور أحمد وذكر نبذة من حياته.