رمضان والتطور الروحاني



 

 

تعني الروحانية معرفة أن لحياتنا أهمية في سياق يتجاوز الوجود اليومي الدنيوي على مستوى الاحتياجات البيولوجية؛ وتقدير أننا جزء مهم من التطور الهادف للحياة.

يستلزم التطور الروحي استكشاف التجربة الإنسانية خارج العالم المادي والاعتراف بوجود الروح والحياة الآخرة. ويُعترف بالروحانية كجزء مهم من رفاهية الإنسان لأنها تؤدي إلى السلام الداخلي والنمو الشخصي وفهم أعمق للذات والعالم من حولنا.

حاليًا، يصوم المسلمون خلال شهر رمضان. ويعني التقدم الروحي، بالمعنى الديني، تنقية وصقل وتعزيز علاقة المرء بالله تعالى. والتقدم الروحي تجربة فردية فريدة من نوعها تعزز فهم المؤمن لله من خلال عدسة التجربة الشخصية. وهذا بدوره يعزز الاتصال بالله إلى مستوى أعلى وأقوى وأعمق.

التقدم الروحي هو عملية البحث عن السلام الداخلي والطاقة والشفاء جنبًا إلى جنب مع الشعور بالهدف. لقد حاولت الفلسفة والعلوم الاجتماعية والعلوم الطبية تطوير فهم أكبر للروحانية والتقدم الروحي. يوفر الإسلام إطارًا واضحًا لتسهيل التقدم الروحي للفرد من خلال تقديم البنية والدعم والمعرفة والمخطط العملي لتخصيص خطة التقدم الروحي.

يذكر القرآن الكريم ستة مستويات من التقدم الروحي.

المستوى الأول:

المستوى الأول من الروحانية هو الالتزام بالصلاة. يقول الله تعالى في سورة المؤمنون في القرآن الكريم "قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ* ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ" تبين هذه الآية المتطلبات الأساسية التي يجب على المؤمن الوفاء بها عند الشروع في رحلة التقدم الروحي. وهذا ينطوي على اللجوء إلى الله بتواضع تام وتقدير لعظمة جلاله بتفانٍ والتزام كاملين. الصلاة هي أول معلم في رحلة التقدم الروحي وتوفر فرصة لتكوين رابطة شخصية من الصلة بالله. مع زيادة المثابرة، فإن رقة القلب تسهل اتصالاً أقوى بالله، وتقلل من جميع الروابط الأخرى التي قد تقف في طريق التقدم الروحي.

المستوى الثاني:

المستوى الثاني من التقدم الروحاني هو التطلع إلى تجنب كل أنواع الشرور. كما هو موضح في الآية التالية الكريمة، "وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ". إن الرابطة القوية مع الله تمكن المرء من التخلي عن كل الأعمال غير المفيدة والسيئة وغير الأخلاقية. في المستوى الثاني من الروحانية، يطور المؤمن فهمًا واضحًا بأن المساعي العبثية والعديمة الفائدة تعيق تقدمه الشخصي والروحي. هذا الفهم، الذي يرتكز على قوة الرابطة الحقيقية مع الله، يمكّن المؤمن من التخلي ببساطة عن أي أعمال خاطئة وشريرة.

المستوى الثالث:

المستوى الثالث من التقدم الروحي يستلزم أن ينفق المؤمن من مكاسبه الحلال في سبيل الله. كما يقول القرآن الكريم، "وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ"، إن إنفاق المال في سبيل الله هو الاختبار الحقيقي لنقاء النفس، فالكسب هو نتيجة العمل الشاق الذي يعتمد عليه رزق الإنسان، وفي الدرجة الثالثة من السلم الروحي يستخدم المؤمن كل قدراته وإمكاناته في سبيل الله، وإن إنفاق المال الذي اكتسبه بشق الأنفس في سبيل نقاء النفس هو تعبير عملي عن الإيمان الحقيقي بالله ويمنح المؤمن متعة لا تضاهيها أي متعة أخرى.

المستوى الرابع:

المستوى الرابع من التقدم الروحي هو الحفاظ على العفة، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم، "وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ"، وفي هذه المرحلة العالية جدًا من التحصيل الروحي، يُظهِر المؤمن ممارسات أخلاقية لا تشوبها شائبة في جميع جوانب الحياة، وخاصة في السلوك الجنسي. قد يكون حب الملذات الجسدية والحسية أعظم من حب المال. لذلك، فإن الحفاظ على عفتهم هو أحد أقدس واجبات المؤمنين التي ترفع من تقدمهم الروحي.

المستوى الخامس:

المستوى الخامس من التقدم الروحي هو احترام وعود المرء وعهوده مع الالتزام بأرقى طرق التقوى. يقول الله تعالى في القرآن الكريم، "وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ". يبذل المؤمنون، في المرحلة الخامسة من التطور الروحي، قصارى جهدهم للتأكد من أنهم لا يتجاهلون حتى أدق أعمال الخير ويصبحون دقيقين في احترام عهودهم ووعودهم. في المستوى الخامس من التقدم الروحي، يصل المؤمنون إلى صفاء النية والالتزام بالنزاهة المطلقة.

المستوى السادس:

المستوى السادس من التقدم الروحي هو أنه عندما يطور المؤمن رابطة قوية لا تنفصم مع الله، فإنه يقضي حياته كلها في تعزيز الرابطة مع الله. كما يقول القرآن الكريم، "وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ". إن ملذاتهم ومتعهم تكمن في ذكر الله، وهم يحافظون على هذه الصلة مثل ممتلكاتهم الثمينة. إنهم يغذون رابطتهم مع الله بحيث تكون هذه هي الرابطة الوحيدة،  والعلاقة الوحيدة التي تهمهم. هذه الصلة تتفوق على جميع العلاقات الأخرى.

إن شهر رمضان هو فرصة ممتازة لمراجعة تقدمنا ​​الروحي كتجربة شخصية وذاتية عميقة. فيجب أن نستغل هذه الفرصة لتقييم فهمنا الفريد وتعبيرنا عن المعايير الروحية مقابل المستويات الروحانية الموصى بها. وهذا من شأنه أن يسهل علينا صياغة خطة واضحة للتقدم على طريق الروحانية. نسأل الله تعالى أن يوفقنا للقيام بذلك. آمين