أم حرام بنت ملحان – شهيدة البحر (رضي الله عنها)
هي أنصارية من بني النجار. كانت من علية النساء، وهي أخت أم سليم وخالة سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين. تعرف أم حرام بشهيدة البحر أو راكبة البحر وهي زوجة الصحابي عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأنجبت منه محمد بن عبادة بن الصامت. روت خمسة أحاديث عن رسول الله ﷺ، ورى عنها زوجها عبادة بن الصامت وابن أختها أنس بن مالك رضي الله عنهما، وغيرهم.
من أين جاء لقبها هذا شهيدة البحر أو راكبة البحر؟
ورد عن ابن أختها أنس بن مالك أن النبي ﷺ كان يأتي بيتَ أمِّ حرام بنت ملحان زوجة عبادة بن الصامت فتطعمه. فدخل عليها فأطعمته وجلست تفلي رأسه، فنام ثم استيقظ وهو يضحك. فقالت ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: "عُرض علي أناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة"، قالت: فقلت: يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم. ثم نام فاستيقظ وهو يضحك فقلت: يا رسول الله ما يضحكك؟ فقال: "عرض علي ناس من أمتي- غزاة في سبيل الله- يركبون ظهر البحر كالملوك على الأسرة". قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام ثانية ففعل مثلها، فقالت مثل قولها، وجاوبها مثل جوابه الأول. قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين. وبالفعل خرجتْ أم حرام غازيةً مع معاوية بن أبي سفيان، فلما جازتِ البحر ركبت دابة فصرعتْها فقُتْلت. وقد نالت مرتبة الشهادة في أرض الروم زمن سيدنا عثمان. وكانت شهادتها وفق هذه الرؤيا التي رآها النبيﷺ.
هذه القصة مهمة من ناحيتين فأولًا رأينا كيف أن ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحقق واستجيب دعاؤه في حق أم حرام ولكن الأمر الآخر هو أن النبي كان يزور أم حرام لأنها كانت محرمة له ﷺ.
فأمّ حرام كانت ابنة ملحان بن خالد من بني النجار، وهي خالة أنس، وأمُّه أخت أمّ سليم. وإن أمّ حرام وأمّ سليم كانتا خالتا النبي ﷺ من الرضاعة أو من النسب.
قال الإمام النووي: اتفق العلماء على أنها - يعني أم حرام - كانت محرمة له ﷺ واختلفوا في كيفية ذلك. ولكن الجميع متفقون على كونها محرمة له ﷺ إما من الرضاعة أو من النسب.
استشهدت أم حرام زمن سيدنا عثمان وقد ورد في عمدة القاري، شرح صحيح البخاري وإرشاد الساري، أنها ماتت في عام 27 أو 28 من الهجرة. وعند البعض ماتت في عهد معاوية. ولكن القول الأول أَولى وقد ذكره أصحاب السِّيَر وقالوا إن هذه الحرب البحرية التي اشتركت فيها أمّ حرام كانت في عهد عثمان. وعند ابن أثير هذه الغزوة هي غزوة قبرص، فالمراد من زمن معاوية ليس عهد حكومته بل المراد هو الوقت الذي قام فيه معاوية بحرب بحرية ضد الروم، واشتركت فيها أمّ حرام مع زوجها عبادة بن الصامت. وذلك في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه. حتى يقال بأن مسجد لارنكا الكبير في قبرص هو مكان استشهادها ومكان دفنها فقد وورد في حلية الأولياء " قَبْرُ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ بِقُبْرُصَ وَهُمْ يَقُولُونَ: هَذَا قَبْرُ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ "، وقال الإمام الذهبي "وبلغني أن قبرها تزوره الفرنج" (سير أعلام النبلاء).
وهكذا لم تجبن الصحابيات حتى على ركوب البحر بمخاطره ولا على المشاركة في غزوات بعيدة في سبيل الله تعالى. ولا بد أن نذكر أن أم حرام كانت متزوجة قبل سيدنا عبادة فهي أم الشهيد قيس بن عمرو بن قيس وزوجة الشهيد عمرو بن قيس وقد شهد ابنها بدرًا، وشهد مع أبيه أحدًا واستشهدا فيها رضي الله عنهما، وأخويها هما: حرام بن ملحان وهو الذي بعثه رسول الله مع سبعين رجلا إلى بني عامر وقد طعنه أحدهم هناك فصاح "الله أكبر! فزتُ ورب الكعبة" وسُليم بن ملحان الذي استشهد يوم بئر المعونة.
وهي كما رأينا من المجاهدات فقبل غزوة قبرص كانت قد شاركت في أحد وحنين والخندق والفتح والطائف وقد اشتُهرت بالشجاعة والعلم، والفقه، ورجاحة العقل.