ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 28/03/2025



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 28/03/2025، حيث قال:

من فضل الله علينا أن وفق الكثيرين منا لأداء العبادات والصيام في رمضان. ولكن يجب أن نتذكر أن مجرد الصيام أو العبادة في رمضان فقط لا يحقق غايتنا الأسمى. بل إن الله قد هدانا إلى أن نكون عباده، فعلينا أن نعبده دائمًا ونسعى لأداء حقوقه. وعلى من يستطيع الصيام والعبادة في رمضان أن يسعى أيضًا للمحافظة على ذلك طوال العام. وعندها فقط نستطيع تحقيق غاية خلقنا كما بينها الله تعالى.

إننا بمبايعة المسيح الموعود عليه السلام قد تعهدنا بأن نحافظ على هذه الحسنات في حياتنا، لذا يجب أن نسعى جاهدين للوفاء بهذا العهد. وفي الأيام المتبقية من رمضان، يجب أن ندعو الله أن نحافظ على الحسنات التي قمنا بها في رمضان طوال حياتنا، فالمؤمن الحقيقي يكون من صلاة إلى صلاة، ومن جمعة إلى جمعة، ومن رمضان إلى رمضان منتبهًا، أي أنه يترقب هذه الفرص للعبادة ويفعل ما أمر الله به. وهنا، إلى جانب رمضان، ذُكرت أيضًا الصلاة وأيام الجمعة، مما يُبرز أهميتها. فجميع أيام الجمعة مباركة، وليس الجمعة الأخيرة من رمضان فقط.

في هذا العصر قد بين لنا المسيح الموعود عليه السلام كيف يمكن أن نكون عباد الله الحقيقيين ومن أمة محمد ﷺ حيث قال:

"لقد نصحتُ جماعتي مرارا ألا يعتمدوا على مجرد البيعة. لن تنالوا النجاة ما لم تصلوا إلى حقيقتها. الصابر بالقشر يُحرم من اللُبّ. إن لم يكن المريد ملتزما لن ينفعه صلاح المرشد. فإذا وصف الطبيب وصفة واحتفظ بها المريض في الخزانة لن تنفعه قط لأن الفائدة إنما تتحقق نتيجة العمل بما هو مكتوب عليها ولكنه حرم نفسه منها. اقرأوا "سفينة نوح" مرارا واعملوا بما ورد فيه. "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا" هناك آلاف اللصوص والزناة ومرتكبو المنكرات وشاربو الخمر والأشرار الذين يدّعون أنهم من أمة النبي ﷺ ولكن هل هم كذلك بالفعل؟ كلا، ليس من أمته إلا من يلتزم بتعاليمه تماما".

إذن يجب أن نتذكر أن علينا أن نجعل أعمالنا بحسب التعاليم الإسلامية التي ذكرنا بها المسيح الموعود عليه السلام والذي قال أيضًا:

"إن الانضمام إلى هذه الجماعة يعني أن المرء سيتحمل بالتأكيد المشاق، ولكن كيف يمكنه نيل البركات؟ لقد تحمل الرسول (صلى الله عليه وسلم) مصاعب كبيرة لا يمكن تصورها لمدة 13 عامًا في مكة. ومع ذلك، تحلى بالصبر، فماذا كانت النتيجة؟ في النهاية، هُزم عدوه. واليوم، يوجد من يعارض هذه الجماعة؛ ولكن الله قد وعد أن الازدهار سيكون حليفها. فالآن يختبرنا الله ليرى مدى صبرنا."

إذن هذا لا يقتصر على رمضان فحسب؛ بل يجب أن نحافظ على ذلك طوال حياتنا، وعندها سوف ينقذنا الله من أعدائنا.

وقال المسيح الموعود عليه السلام أيضًا: "لقد واجه الصحابة أيضا فترات حين عاشوا على أكل أوراق الأشجار ولم تتيسر لهم كسرة خبز في بعض الأحيان، لا يسع أحدا أن يُحسن إلى أحد ما لم يشأ الله. عندما يتقي المرء يفتح الله له الأبواب: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" آمِنوا بالله إيمانا صادقا تنالوا كل شيء. فهناك حاجة للاستقامة والصمود."

وقد تحدث المسيح الموعود (عليه السلام) أيضًا عن حقوق خلق الله، فقال إن الله سيحبنا بقدر محبتنا لبعضنا، ورمضان فرصة للتركيز على حسن الخلق، وهو أمر يجب أن نقوم به لبقية حياتنا. وعندما نفعل ذلك، ستمطر علينا بركات الله.

 

فعلينا، خاصة في هذا العصر، أن نركز على التمسك بأهداب التقوى، فأينما توجهنا في العالم، نجد مغريات الرذيلة، وخاصة مع صعود تأثير وسائل الإعلام. ومع ذلك، يجب على كل فرد أن ينظر إلى مدى امتناعه عن هذه الرذائل. ويجب أن نفكر فيما إذا كنا غارقين في الدنيا لدرجة أننا لا نصلي، ولا نؤدي حقوق الآخرين ونسعى للحصول على حقوقنا فقط. فبينما ندعو الله في رمضان أن يقضي حوائجنا، علينا أيضًا أن نؤدي ما أمرنا الله به، مثل حقوق إخواننا من البشر. كيف يُعقل أن يُساند الله من لا يُحسنون معاملة الآخرين، بل يُشوّهون سمعة بعضهم بعضا، ويُوجّهون اتهاماتٍ باطلةً لبعضهم بعضا، ويبذلون قصارى جهدهم لإذلال بعضهم بعضا؟

إنّ الشيطان يُحرّض الناس جميعًا، ولكن هذا بمنزلة اختبار للتقوى الحقيقية، فالذين يستسلمون لإغراءات الشيطان تنقصهم التقوى ولا يحظون بحماية الله. يوهم الشيطان المرء بأنه قد بلغ منتهى التقوى، بينما هو في الواقع لم يبلغها، وما زال أمامه الكثير من العمل. ومع ذلك، قد يظنّ، في غروره، أنه قد حقق كل ما يحتاج إليه. الحقيقة هي أن المتقين حقًا يدركون أن كل قدرة تأتي من الله، ولذلك يتصرفون بحذر شديد. عندما يمنح الله المرء قوةً وقدرةً حقيقيتين، يُمنح أيضًا القدرة على الصلاة، وبالتالي يكون قادرًا على حماية نفسه من الشيطان. ما دام الدنس داخل الإنسان، فإن الشيطان يحبه. لذلك، لتطهير النفس، تُعد الصلاة أمرًا أساسيًا، وهي عادة ننميها أكثر خلال شهر رمضان. وعندما يؤدي المرء العبادة الحقيقية، فإنه يحظى بحماية الله. البر الحقيقي ليس مجرد الامتناع عن الرذائل، بل هو الامتناع عن الشر مع تبني الفضيلة في الوقت نفسه.

يقول الله تعالى: "وهو يتولى الصالحين" وقد ورد في الحديث أن الله يصبح للصالحين أيديهم التي يبطشون بها، وأعينهم التي يبصرون بها، وآذانهم التي يسمعون بها، وأرجلهم التي يمشون بها. إذن، يجب على المرء أن يُحافظ على حب الله الحقيقي، والذي لا يمكن تحقيقه إلا بالصلاة. ومن ثم، يجب أن تصبح عادة الصلاة التي يتم تبنيها في شهر رمضان جزءًا دائمًا من الحياة حتى يجني المرء حقًا بركات الله.

فعلينا أن نسعى دائمًا لإحداث تغيير إيجابي في أنفسنا، وأن ننمي العادات التي اكتسبناها في رمضان لنجعلها جزءًا لا يتجزأ من حياتنا. في ظل ظروف العالم، ولإنقاذ أنفسنا وأجيالنا القادمة والعالم أجمع، ولنشر رسالة النبي (صلى الله عليه وسلم) ووحدانية الله في العالم، علينا أن نُحدث تغييرًا إيجابيًا في أنفسنا. وينبغي أن تكون أعمالنا بحيث نصبح متلقين دائمين لنعم الله. وعلينا أن نفهم حقًا كيف نُحيي صلواتنا، وكيف نُنشئ الصلة بالله، وكيف نتمسك بأهداب التقوى، والأخلاق، وكيف نُرسي وحدانية الله في العالم، ونُنقذ العالم من الدمار. عندما نُنمّي هذا الفهم، سنكون من الذين يؤدون حق بيعة المسيح الموعود (عليه السلام). ندعو الله أن يوفقنا للوفاء بهذا العهد، وأن يكون رمضان هذا مصدر بركات لنا. وأن ينزل رحمته على جميع المسلمين ويعيننا على عبادته طوال العام، وأداء حقوق خلقه. آمين.