ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 25/04/2025
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 25/04/2025، حيث تابع الحديث عن سرايا وغزوات النبي ﷺ ومنها:
سریة غالب بن عبد الله رضي الله عنه إلى كديد:
وقد أرسله رسول الله ﷺمع مئتي صحابي، منهم أسامة بن زيد وعُلْبة بن زيد وعقبة بن عمرو وكعب بن عجرة رضي الله عنهم.
فلما اقترب سيدنا غالب من العدو، أرسل علبة بن زيد مع عشرة أفراد إلى معسكر العدو. رأوا جماعة هناك، فعادوا إلى غالب وأخبروه بالأوضاع. فتقدم غالب رضي الله عنه حتى أصبح قريبًا من العدو بحيث يمكنه رؤيتهم، وكان العدو نائمًا مطمئنًا. حمد غالب الله وأثنى عليه، ثم قال: "أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وأن تطيعوني ولا تعصوني، ولا تعارضوا أمري، فإن من لا يطيع لا رأي له". ثم أقام المؤاخاة بينهم، وقال: "يا فلان، أنت مع فلان، ويا فلان، أنت مع فلان. لا ينفصل أحد منكم عن أخيه، ولا يأتيني أحد فأسأله عن رفيقه فيقول: لا أعلم". وقال: "عندما أكبر، كبروا معي".
فلما طوق المسلمون العدو، كبّر غالب، وكبّر الصحابة معه، وسلّوا سيوفهم. خرج العدو للمواجهة، واستمرت المعركة بعض الوقت. قتل المسلمون من أرادوا قتله. وكان شعار المسلمين في ذلك اليوم: "أمت أمت".
عاد المسلمون بأعداد كبيرة من الإبل والماعز كغنائم. حصل كل فرد على عشرة إبل، أو عشر ماعز بدلاً من إبل واحد.
وهناك غزوة مؤتة في جمادى الأولى 8 هـ، وأسبابها أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعث الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتابه، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقال: أين تريد؟ قال: الشأم، قال: لعلك من رسل محمد؟ قال: نعم أنا رسول رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فأمر به فأوثق رباطا ثم قدمه فضرب عنقه، ولم يُقتَل لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، رسول غيره. وبلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الخبر فاشتد عليه وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث بن عمير ومن قتله، فأسرعوا فكان ذلك سبب خروجهم إلى غزوة مؤتة.
لدى عودته من العمرة، بدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتلقى أخبارًا تقول إن القبائل المسيحية على حدود الشام تُعد للهجوم على المدينة نتيجة التحريض والإغواء من طرف اليهود والمشركين. فأرسل مجموعة من خمسة عشر رجلاً لتقصّي الحقيقة، فرأوا جيشًا يتجمع على حدود الشام. ولكنهم تأخروا بدلاً من الرجوع في الحال كي يقدّموا تقريرهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -. لقد دفعهم حماسهم إلى اتخاذ قرار متسرّع بالدعوة إلى الإسلام وشرح حقائقه لهم فلعلهم يهتدون، ولكن نيّاتهم الحسنة أحدثت تأثيرًا معاكسًا لم يرغبوه ولم يتوقّعوه.
وإذا راجعنا الأحداث بتفكيرنا الحالي، نستطيع أن نرى أن أولئك الذين كانوا يخططون لغزو بلد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتحريض من العدوّ، لم يكن من المتوقع منهم أن يتصرّفوا بأي أسلوب آخر. فبدلاً من الإنصات والاستماع للدعوة التي تُعرض عليهم، إذا بهم يتناولون أقواسهم ونشّابهم، ويمطرون الوفد النبويّ بوابل من السهام. وصمد الوفد المكوّن من خمسة عشر رجلاً للسهام دون حركة، فقد تلقوا سهامًا على ما قدموه من حجج وبراهين، ومن ثم لم يتراجعوا. خمسة عشر وقفوا صامدين أمام الآلاف، وسقطوا جميعًا صرعَى.
وجهز الرسول - صلى الله عليه وسلم - حملة لعقاب المعتدين على هذه القسوة والوحشية الطائشة، ولكنه في نفس الوقت تلقى أخبارًا تقول إن القوات التي كانت تتجمع محتشدة على الحدود قد تفرقت فأجّل خطته، غير أنه بعث برسالة إلى إمبراطور الروم (أو إلى عظيم قبيلة غسّان الذي كان يحكم بُصرى باسم الروم). ولعله في هذه الرسالة كتب يشكو من الاستعدادات التي شُوهدت على حدود الشام، ومن المذبحة الحمقاء الظالمة التي لقيَها الخمسة عشر مسلمًا الذين أُرسلوا لمعرفة أخبار ما يحدث على الحدود.
وحمل الرسالة صحابي اسمه الحارث بن عُمير الأزدي، فعرض له في الطريق عند مؤتة شُرَحبيل بن عمر الزعيم الغسّاني، وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قِبَل قيصر.
سأله الزعيم الغسّاني شرحبيل: "هل أنت رسول محمد؟ لعلك تحمل رسالة منه" .. وبمجرد أن أجاب الصحابي بالإيجاب قام الزعيم الغسّاني بالقبض عليه، وأوثقه ثم عذبه بالضرب المبرح إلى أن مات. ولعل هذا الزعيم الغسّاني كان هو قائد الجيش الذي لقي الجماعة المكونة من 15 مسلمًا، وقام بقتلهم، هؤلاء الذين لم يفعلوا شيئًا سوى أنهم حاولوا أن يبشروا بدينهم. إن حقيقة سؤاله للحارث عن احتمال حمله رسالة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - توضح أنه كان يخشى أن تبلغ شكوى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مسامع قيصر عن هجومهم وقتلهم الخمسة عشر مسلمًا.
كان خائفًا أن تتم محاسبته على ما حدث، وظن أن قتل حامل رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيكون أمانًا بالنسبة إليه، ولكن توقعه لم يتحقق. فقد بلغت أخبار القتل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فجهز جيشًا من 3000 مقاتل للانتقام من هذه الحادثة والتي سبقتها، فأمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة. على ثلاثة آلاف وقال: "إن قتل فجعفر بن أبي طالب فإن قتل فعبد الله بن رواحة فإن قتل فليرتض المسلمون برجل من بينهم يجعلونه عليهم".
كان ثَمَّ يهودي اسمه النعمان، قال: يا أبا القاسم إن كنت نبيا فسميت من سميت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا لأن أنبياء بني إسرائيل، كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم، ثم قالوا: إن أصيب فلان فلو سمى مائة أصيبوا جميعا، ثم جعل يقول لزيد: اعهد فإنك لا ترجع إلى محمد إن كان نبيا، قال زيد: فأشهد أنه رسول صادق بار.
وثب جعفر وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما كنت أرهب أن تستعمل عليّ زيدا، قال: "امض فإنك لا تدري أي ذلك خير".
عقد لهم صلى الله عليه وسلم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد، وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعينوا عليهم بالله وقاتلوهم.
فأسرع الناس بالخروج وعسكروا بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة وخرج صلى الله عليه وسلم مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع. فوقف هناك وودعهم وقال:
"أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا كبيرا فانيا ولا منعزلا بصومعة ولا تقربوا نخلا ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناء".
وفي ختام الخطبة، أعلن أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على بعض المرحومين وذكر نبذة من حياتهم.