ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز من المسجد المبارك في تيلفورد، في 02/05/2025
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز من المسجد المبارك في تيلفورد، في 02/05/2025، حيث تحدث عن غزوة مؤتة وقال:
أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشًا للقتال، بقيادة زيد بن حارثة رضي الله عنه وقال: أجعل زيدًا أمير الجيش، فإن قُتل زيد، فليكن جعفر أميرًا، وإن قُتل جعفر، فليكن عبدالله بن رواحة أميرًا، وإن قُتل عبدالله، فليختار المسلمون من يتفقون عليه.
كان هناك يهودي جالس مع النبي صلى الله عليه وسلم حين قال هذا، فقال: "لا أؤمن بأنك نبي، لكن إن كنت صادقًا، فلن يعود أحد من هؤلاء الثلاثة أحياء، لأن ما يخرج من فم النبي يتحقق". ثم ذهب اليهودي إلى زيد وقال له: "إن كان رسولك صادقًا، فلن تعود حيًا". فأجاب زيد رضي الله عنه: "لا يعلم إن كنت سأعود حيًا أم لا إلا الله، لكن رسولنا صلى الله عليه وسلم صادق".
وبتدبير الله، تحقق الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. استُشهد زيد رضي الله عنه أولاً، ثم تولى جعفر رضي الله عنه القيادة واستُشهد، ثم تولى عبدالله بن رواحة رضي الله عنه القيادة واستُشهد أيضًا. كاد الجيش أن يتفرق، لكن خالد بن الوليد رضي الله عنه، بناءً على طلب بعض المسلمين، حمل الراية وقاد الجيش. ومنّ الله على المسلمين بالنصر عبر خالد، فعادوا بالجيش سالمين.
كان سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه فارسًا مشهورًا. وشارك في غزوة مؤتة كجندي عادي. عندما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الجيش، لم يكن قد مضى على إسلامه رضي الله عنه سوى ثلاثة أشهر.
عندما وصل المسلمون إلى مسافة قريبة من المدينة، علم العدو بقدومهم وبدأ بالاستعداد للمواجهة. يبدو أن المنافقين واليهود في المدينة نشروا خبر تجمع المسلمين ومسيرتهم نحو الشام ليتمكن العدو من اتخاذ تدابير الدفاع. كان شُرَحْبِيل بن عمرو حاكمًا رومانيًا على المناطق الجنوبية من الشام المتاخمة لجزيرة العرب، وقد وصلته أخبار هذا الجيش من جواسيس رومانيين في المدينة. أرسل رجلاً لإبلاغ الرومان بأن المسلمين يتقدمون نحو الشام، ثم بدأ بجمع جيش من القبائل الحليفة للرومان في جنوب الشام. كما أرسل أخاه مع بعض الرجال كطليعة لجمع أخبار الجيش الإسلامي.
من جهة أخرى، جهّز شُرَحْبِيل بن عمرو جيشًا يزيد على مئة ألف مقاتل. عندما وصل المسلمون إلى وادي القرى، أرسل شُرَحْبِيل أخاه سَدُوس مع خمسين مشركًا. فقاتلوا المسلمين، لكنهم هُزموا وقتل سَدُوس. تقدم المسلمون ووصلوا إلى منطقة مَعَان في الشام، التي تقع قبل مؤتة.
هناك، علم الصحابة بكثرة العدو وتجمعه، وأُخبروا بأن هرقل جاء إلى منطقة مَآب في البلقاء مع مئة ألف روماني، وانضم إليه مئة ألف عربي من قبائل مختلفة. يقول العلامة الزرقاني إن هذا الجيش قد يكون هو نفسه الذي جمعه شُرَحْبِيل.
أقام الصحابة في معان ليلتين وتشاوروا في الأمر. اقترح البعض كتابة خطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لإخباره بالوضع، حتى يرسل تعزيزات أو يصدر أمرًا آخر. لكن عبدالله بن رواحة رضي الله عنه شجعهم وقال: "يا قومي، والله إن ما تكرهونه الآن هو ما خرجتم لطلبه أي: الشهادة. لا نقاتل الناس بعدد أو قوة، بل بدين الحق الذي أعزنا الله به. تقدموا، فإنكم ستنالون إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، وكلاهما ليس سيئًا." فقال الصحابة: "والله لقد صدق ابن رواحة."
تقدم الصحابة حتى وصلوا إلى تخوم البلقاء، حيث واجهوا جيش هرقل المكون من الرومان والعرب. كان هذا الجيش في إحدى بستات البلقاء تُسمى مشارف. عندما اقترب العدو، تراجع المسلمون إلى قرية تُسمى مؤتة، حيث وقعت معركة الحق والباطل العظيمة.
وكتب ابن إسحاق أن المسلمين استعدوا للمشركين وعيّنوا رقباء على الجانبين الأيمن والأيسر من الجيش.
ثم التحم الجيشان في قتال شديد. وقاتل زيد بن حارثة رضي الله عنه تحت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استشهد بسهام العدو.
ثم أخذها جعفر بن أبي طالب فقاتل بها حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعرقبها ثم قاتل القوم حتى قتل فكان جعفر أول رجل من المسلمين عرقب فرسا له في سبيل الله.
وكان أحد بني مرة بن عوف، وكان في غزوة مؤتة قال: والله لكأني انظر الى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل وهو يقول:
ياحبذا الجنة واقترابها
طيبة وباردا شرابها
والروم روم قد دنا عذابها
كافرة بعيدة أنسابها
علي إذ لاقيتها ضرابها
وفي حديث أبي عامر رضي الله تعالى عنه عند ابن سعد أن جعفر رضي الله تعالى عنه لبس السلاح ثم حمل على القوم حتى إذ هم أن يخالطهم رجع فوحش بالسلاح ثم حمل على العدو وطاعن حتى قتل.
قال ابن هشام: وحدثني من أثق به من أهل العلم ان جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي الله تعالى عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء.
وروى البخاري والبيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: "كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعا وستين من طعنة ورمية".
عندما استشهد جعفر رضي الله عنه، حمل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه راية الإسلام. تقدم على جواده، وتردد نفسه قليلاً، فقال هذه الأبيات:
أقسمت يا نفس لتنزلن *** طائعة أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنه *** مالي أراك تكرهين الجنه
قد طال ما قد كنت مطمئنه *** هل أنت إلا نطفة في شنه
ثم نزل عن جواده. فجاء ابن عمر رضي الله عنه بلحم مع عظم وقال: تقوَّ بهذا، فقد واجهتَ أياماً صعبة. فأخذ عبد الله اللحم، وقطع منه جزءاً، ثم سمع صوت اصطدام من جهة، فقال لنفسه: أما زلتِ في الدنيا؟ ثم رمى العظم بيده، وأمسك سيفه، وتقدم وبدأ القتال حتى استشهد، وسقطت الراية من يده.
اختلط المسلمون والمشركون، وتراجع بعضهم. فصاح قطبة بن عامر رضي الله عنه: يا قوم! من الأفضل أن تقاتلوا وجهاً لوجه بدلاً من القتال وأنتم تفرون.
وفي رواية أخرى، دُفن زيد وجعفر وعبد الله رضي الله عنهم في قبر واحد.
قال أبو عامر رضي الله عنه: عندما استشهد عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، أصاب المسلمين هزيمة شديدة. لم أرَ اثنين متجمعين. فحمل أنصاري الراية، وركض وزرعها أمام الناس، وقال: يا قوم! تعالوا إليَّ. فتجمع الناس حوله. وعندما كثروا، ذهبوا إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه. فقال خالد للأنصاري: لن آخذها منك، فأنت أحق بها. فقال الأنصاري: والله ما حملتها إلا لك.
عندما استشهد عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، أعطيت راية الإسلام لثابت بن أقرم رضي الله عنه. فقال ثابت لخالد بن الوليد: أنت أعلم بفنون الحرب مني. فأعطى الراية لخالد بن الوليد رضي الله عنه.
عندما حمل خالد بن الوليد رضي الله عنه الراية، دافع عن الناس، وجمعهم، ثم أبعد جيشه إلى جهة، وتراجع العدو عنهم، فأنقذ الناس وعاد بهم.
ووفقاً لابن إسحاق، كان هذا التراجع في الواقع نجاة من الروم، لأن أكثر من ألفي مسلم كانوا قد اختلطوا بالروم، بينما كان عدد المسلمين ثلاثة آلاف فقط. ولهذا السبب، سُميت هذه السرية نصراً وفتحاً، لأن العدو كان قد أحاط بالمسلمين وتجمع ضدهم. عادةً في مثل هذه الظروف، كان يمكن أن يُستشهد جميع المسلمين، وكان ذلك محتملاً، لكن القول بذلك يتعارض مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى يمنحكم الله الفتح".
وفي ختام الخطبة، قال أمير المؤمنين نصره الله:
ادعوا للمسلمين في العالم كله، فالعالم على وشك الدمار ولن ينقذ إلا إذا خضع الناس أمام الله عز وجل، وفقهم الله لذلك. ثم أعلن أنه سيصلي الغائب على الشهيد محمد آصف وذكر نبذة من حياته وظروف استشهاده.