ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 23/05/2025



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في الثالث والعشرين من شهر مايو/أيار، حيث تابع الحديث عن فتح مكة وقال:

تُعرف هذه الغزوة أيضًا بـ"غزوة الفتح الأعظم". وقعت في رمضان من السنة الثامنة الهجرية. هذا هو الفتح العظيم الذي بشّر الله تعالى به مسبقًا، والذي أدى إلى دخول الناس أفواجًا في الإسلام.

يذكر حضرة المصلح الموعود رضي الله عنه، في سياق بشارة فتح مكة في القرآن الكريم، قوله تعالى:

{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}

أي: يا رب، أدخلني مكة بعد الهجرة بالفتح والغلبة، وأخرجني منها بخروج صادق عند الهجرة، واجعل لي من عندك سلطانًا نصيرًا. هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في سورة بني إسرائيل قبل الهجرة، وفيها بشارة بالهجرة ثم فتح مكة.

وفي سورة الفتح، تُذكر بشارة فتح مكة كما يلي:

{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}

يذكر الخليفة الرابع رحمه الله أن كلمة {أَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} تشير إلى فتح مكة.

الحقيقة أنه في اليوم الذي هاجر فيه النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، أوحى الله تعالى له:
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}

يذكر الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره لهذه الآية:


كلمة "معاد" تعني مكة، لأن المقصود بها هو عودة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة يوم الفتح. وفي رواية أنه عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الهجرة بين مكة والمدينة، أبدى حبه لمكة، فنزل جبريل عليه السلام وقال: "هل تشتاق إلى وطنك ومولدك؟" فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم." فقال جبريل: "إن الله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}، أي سيعيدك إلى مكة منتصرًا على قريش." لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مكة، ثم غادرها، ثم عاد إليها، وهذا لا ينطبق إلا على مكة.
ويعتبر المحققون أن هذه النبوءة القرآنية دليل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أخبر بالغلبة من الله تعالى، وقد تحقق ذلك كما أخبر.

ووردت نبوءة أخرى عن فتح مكة في القرآن الكريم، حيث تم تذكير النبي صلى الله عليه وسلم وسائر المسلمين بأنه أينما ذهبوا، عليهم ألا ينسوا أن مكة ستُفتح في النهاية، وأنه عليهم بذل الجهد والعمل والدعاء لتحقيق ذلك. وفي ضوء هذه النبوءة القرآنية، يمكننا القول إن جميع الحروب والحملات العسكرية التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذلك الحين كانت تهدف، ضمن أهداف أخرى، إلى فتح مكة. وفي سياق ذكر هذه النبوءة القرآنية العظيمة، يُشار إلى قوله تعالى:

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

وفي تفسير هذه الآية، قال حضرة المصلح الموعود رضي الله عنه:

قال المفسرون في تفسير هذه الآية إن عليكم حيثما كنتم أن تجعلوا المسجد الحرام قبلتكم على أي حال. وسبب ذلك عندهم أن الله عندما أمر بالتوجه إلى القبلة..فربما يظن أحد أن هذا الأمر خاص بأهل المدينة لا للجميع، لذلك قال الله تعالى: من حيث خرجتم فاتجهوا نحو المسجد الحرام.

ولكن الحقيقة أنه..سواء كان الخطاب إلى رسول الله ﷺ أم إلى المسلمين جميعا..فلا تعني الآية أن يتجهوا إلى القبلة..وذلك لعدة أسباب.

أولا-لأن الصلوات التي يؤديها الإنسان وقت إقامته في بلده أو قريته أكثر من تلك التي تحين وقت خروجه من البلد عموما..لذلك كان من الواجب أن يصدر أمر يُغطي أكثر ما يمكن من الصلوات بدلا أن يصدر أمر تقل الفرصة للعمل به في حالة السفر. فمثلا يمكن أن يخرج المرء من البلد في العاشرة صباحا أو بين العصر والمغرب أو في منتصف الليل..وكل هذه أوقات لا مجال للصلاة فيها عادة. إذن والحال هذه، فإن قول الله تعالى (من حيث خرجت فول وجهك شطر السجد الحرام) يصبح بلا فائدة أو معنى، لأنه قلما يخرج الإنسان من البلد وقت الصلاة..فإما أن يكون قد أدى صلاته قبل الخروج، أو يمكن أن يؤديها بعد خروجه. فلا علاقة للصلاة بوقت الخروج. كان من الممكن التسليم بهذا المعنى لو كان هناك صلاة لها علاقة خاصة بخروج الإنسان من بيته وبلده، ولكن الجميع يعرفون أنه ليس هناك صلاة خاصة بوقت الخروج. فإذن لا يصح تطبيق معنى هذه الآية أبدا على خروج الإنسان من بيته وبلده بإرادة السفر.

ومما يؤكد قولنا أن هذه الآية لا تتعلق بالتوجه إلى القبلة وقت الصلاة هو أنه في حالة السفر أحيانا لا يمكن الاتجاه إلى القبلة، وتجوز الصلاة عندئذ في أي جهة يكون عليها الإنسان. مثلا إذا كان على مطيته ولا يستطيع النزول عنها، فبحسب القرآن والسنة النبوية تجوز صلاته سواء كان وجهه إلى القبلة أم لا. ولا تبقى الجهة ذات معنى عندئذ، وإنما يستوي الشرق والغرب والجنوب والشمال، ويكفي التوجه القلبي إلى الكعبة المشرفة. في هذه الأيام، عندما يركب الإنسان في القطار، فلا يمكن أن يتقيد بجهة، لأن القطار يتجه مرة إلى الشمال ومرة إلى الجنوب أو إلى أي جهة أخرى، ولكن هذا لا يخل بصلاة الراكب فيه. فلو صح المعنى الذي يقول به المفسرون ما أمكن أن يعمل به المسافر على مطية أو قطار أو طائرة. وما دام الإنسان لا يستطيع وقت الخروج أن يتجه إلى جهة معينة فكيف يمكن أن يكون معنى هذه الآية أن يلتزم الإنسان بالتوجه نحو الكعبة المشرفة من حيث خرج مسافرا؟

ثم إنه لا يصح هذا المعنى أيضا لأن المعنى الحرفي للآية أنك من حيث خرجت يجب أن تتجه إلى البيت الحرام. والواضح أن الإنسان لا يؤدي صلاته وهو يخرج وإنما يؤديها عند توقفه في مكان ما. لو كانت كلمات الآية "فحيث ما كنت فول وجهك شطر المسجد الحرام "لصح المعنى الذي يذهب إليه المفسرون، ولكن الله تعالى يقول هنا (من حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام). فتبين من كل ذلك أن هذه الآية لا تعني التوجه إلى المسجد الحرام وقت الصلاة.

يقول المفسرون إننا لو لم نربط هذا الخروج بالصلاة للزم التكرار في القرآن. ولكن قولهم هذا أيضًا خطأ. إنهم يجدون في القرآن تكرارا لأنهم لا يستطيعون الربط الصحيح بين مواضيع القرآن ومطالبه الصحيحة. فحيثما يجدون إشكالا يدخلون في متاهة الناسخ والمنسوخ، فيأخذون بآية ويعتبرون الأخرى منسوخة، ويتخلصون من الإشكال. مع أننا لو نظرنا إلى حقائق القرآن الكريم التي بينها سيدنا المهدي والمسيح الموعود (عليه السلام) لم نجد في القرآن أي تكرار، ولم نضطر إلى القول بنسخ آية منه.

الواقع أن الرسول ﷺ عندما أُخرج من مكة وجد أعداء الإسلام فرصة للاعتراض قائلين: إذا كان هو الموعود حقا ومصداقا للدعاء الإبراهيمي، وإذا كانت له علاقة خاصة بالكعبة المشرفة..فلماذا طرد من مكة؟ إذن فليس هو مصداقا للدعاء الإبراهيمي. فيرد الله على هذا الاعتراض قائلا (من حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام)..يا محمد..إن خروجك من مكة مؤقت. ونعدك أننا سوف نمكنك من الرجوع إليها مرة أخرى. وعندما يقطع الله مع عباده المؤمنين وعودا فإنه يتوقع منهم أيضا أن يبذلوا من جانبهم جهودا لتحقيقها، ولا يصح أن يعدهم الله فيجلسوا عاطلين، ويظنوا أنه ما دام الله تعالى قد وعد فلا بد أن يحققها بنفسه، ولا حاجة لنا لبذل الجهود سعيا لتحقيقها.

وفي ختام الخطبة، أعلن أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على الشهيد الدكتور شيخ محمد محمود وذكر نبذة من حياته وظروف استشهاده.