ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 30/05/2025
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 30/05/2025 والتي استهلها بقوله تعالى من سورة النور:
"وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَيَخۡرُجُنَّۖ قُل لَّا تُقۡسِمُواْۖ طَاعَة مَّعۡرُوفَةٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ * قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ * وعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنا يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔئاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ* وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ"
ثم قال:
قد مضى 117 عامًا على قيام الخلافة في الجماعة الإسلامية الأحمدية، حيث بدأت عام 1908 وفقًا لوعد الله ورسوله الكريم ﷺ. ومن حسن حظ الأحمديين أنهم جزء من نظام تنبأ الله عنه، أنه مع ظهور المسيح والمهدي، سيبدأ عصر نهضةٍ إسلامية، وستقوم فيه الخلافة أيضًا، حيث قال النبي ﷺ: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثم سكت".
ووفقًا لهذه النبوءة، ومع ظهور المسيح الموعود عليه السلام، بدأ عهدٌ جديد لإحياء الإسلام، وبعده قامت مؤسسة الخلافة.
لقد وعد اللهُ المسلمين بوضوح في الآيات الآنفة الذكر بإقامة الخلافة بينهم. وبعد النبي ﷺ، استمرت الخلافة الراشدة ثلاثين عامًا. لكن الخلافة لم تدم ثلاثين عامًا فقط، بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه بعد فترات من الحكم الجائر والاستبدادي، ستُقام خلافة دائمة في عهد المسيح الموعود عليه السلام. هذا الوعد بالخلافة مشروطٌ بأن نبقى متمسكين بها. وعندها سنواصل نوال بركات الله. إلا أن هذا يتطلب أيضًا استيفاء شروطٍ معينةٍ حددها الله في القرآن الكريم.
قال المسيح الموعود (عليه السلام):
"فالحاصل أنه تعالى يُري قسمين من قدرته: أولاً، يُري يدَ قدرته على أيدي الأنبياء أنفسهم، وثانيًا، يُري يدَ قدرته بعد وفاة النبي حين تواجه المحن ويتقوى الأعداء ويظنون أن الأمر الآن قد اختل، ويوقنون أن هذه الجماعة سوف تنمحي، حتى إن أعضاءها أنفسهم يقعون في الحيرة والتردد، وتنقصم ظهورهم، بل ويرتدّ العديد من الأشقياء، عندها يُظهر الله تعالى قدرتَه القوية ثانيةً ويُساند الجماعة المنهارة. فالذي يبقى صامدًا صابرًا حتى اللحظة الأخيرة يرى هذه المعجزة الإلهية، كما حصل في عهد سيدنا أبي بكر الصديق - رضي الله عنه ، حيث ظُنَّ أن وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد سبقت أوانَها، وارتد كثير من جهال الأعراب، وأصبح الصحابة من شدة الحزن كالمجانين، عندها أقام الله تعالى سيدنا أبا بكر الصديق - رضي الله عنه -، وأظهر نموذجًا لقدرته مرة أخرى، وحمى الإسلام من الانقراض الوشيك. وهكذا أتم - عز وجل - وعده الذي قال فيه: {ولَيُمكِّننَّ لهم دينَهم الذي ارتضى لهم وليُبدِّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا}.. أي أنه تعالى سوف يثبّت أقدامهم بعد الخوف. وهذا ما حدث بالضبط في زمن سيدنا موسى - عليه السلام - حين اختطفته يد المنون وهو في الطريق ما بين مصر وأرض كنعان قبل أن يوصل بني إسرائيل إلى غايتهم المنشودة حسب الوعد. فقام بموته مأتم كبير بين بني إسرائيل. وكما ورد في التوراة أن بني إسرائيل ظلوا يبكون وينوحون إلى أربعين يوما جراء صدمة موته المفاجئ. وهذا ما حدث في زمن عيسى - عليه السلام - أيضا حيث تشتت الحواريون كلهم عند حادث الصلب وارتدّ واحد منهم أيضًا.
فيا أحبائي، مادامت سنة الله القديمة هي أنه تعالى يُري قدرتين، لكي يحطّم بذلك فرحتَين كاذبتين للأعداء .. فمن المستحيل أن يغيّر الله تعالى الآن سنته الأزلية. لذلك فلا تحزنوا لما أخبرتكم به ولا تكتئبوا، إذ لابد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وإن تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر أنا، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرةَ الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد بحسب وعد الله الذي سجلتُه في كتابي "البراهين الأحمدية"، وإن ذلك الوعد لا يتعلق بي بل يتعلق بكم أنتم. كما يقول الله - عز وجل -: إني جاعل هذه الجماعة الذين اتبعوك فوق غيرهم إلى يوم القيامة.
فمن الضروري أن يأتيكم يومُ فراقي لِيليه ذلك اليوم الذي هو يوم الوعد الدائم. إن إلهنا إلهٌ صادق الوعد، وفِيٌّ وصدوق، وسيُحقق لكم كل ما وعدكم به. وبالرغم أن هذه الأيام هي الأيام الأخيرة من الدنيا، وهناك كثير من البلايا والمصائب التي آن وقوعها، ولكن لا بد أن تظل الدنيا قائمة إلى أن تتحقق جميع تلك الأنباء التي أنبأ الله تعالى بها. لقد بُعثتُ من الله تعالى كمظهر لقدرته - سبحانه وتعالى -، فأنا قدرة الله المتجسدة. وسيأتي من بعدي آخرون، سيكونون مظاهر قدرة الله الثانية. لذلك كونوا منتظرين لقدرة الله الثانية داعين لمجيئها مجتمعين. ولتجتمع كل جماعة من الصالحين في كل قطر وليدعوا حتى تنزل القدرة الثانية من السماء، وتُريَكم أن إلهكم إله قادر كل القدرة."
وقال عليه الصلاة والسلام أيضًا:
"لا تظنوا أن الله تعالى سوف يضيعكم، أنتم بَذْرةٌ بَذَرَها الله تعالى في الأرض بيده. يقول الله تعالى: إن هذه البَذْرة سوف تَنْمُو وتَزْدَهِرُ وتَتَفَرَّعُ في كل طرف، ولَسَوْف تصبح دَوْحَة عظيمةً. فطوبى لمن يؤمن بقول الله تعالى ولا يخاف الابتلاءاتِ العارضة، لأنه لابد من الابتلاءات أيضا لكي يختبركم الله مَن منكم صادق في ادعائه للبيعة ومن هو كاذب. والذي يَزِلّ بسبب الابتلاء لن يضر الله شيئا، والشقاوة سوف تُوصله إلى الجحيم، ولو لم يُوْلَد لَكان خيرًا له. ولكن الذين يصبرون إلى نِهايَة المَطافِ في حين تأتي عليهم زلازل المصائب وتَهُبُّ عليهم عواصِفُ الابتلاءات، وتَسْخَرُ منهم الأقوامُ وتستهزئ، وتُعاملُهم الدنيا بمنتهى الكراهية؛ فأولئك الذين سوف يفوزون في آخرِ الأمر، وتُفتَح عليهم أبوابُ البركاتِ على مِصْراعَيْها."
لذا علينا أن نسعى لنكون من المستفيدين من النعم التي بشرنا بها المسيح الموعود (عليه السلام). علينا أن نفعل ذلك بتكريم وحدانية الله في كل جانب من جوانب حياتنا، وإظهار المواساة للبشرية، وتطهير قلوبنا من الحقد والضغينة، واتباع الحق، وحماية ديننا، وإظهار الطاعة الكاملة، والتقدم فيه. نسأل الله أن يوفقنا لذلك، وأن يجعل الجميع على أهبة الاستعداد لأي تضحية من أجل الحفاظ على مؤسسة الخلافة وحمايتها. عسى أن نرى ذلك الوقت الذي ترفرف فيه راية وحدانية الله في العالم، ويتدفق الناس نحو طاعة النبي الكريم ﷺ.
وفي ختام الخطبة، أعلن أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على بعض المرحومين وذكر نبذة من حياتهم.