ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في27/06/2025
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في السابع والعشرين من شهر حزيران/يونيو الجاري، حيث تابع الحديث عن فتح مكة وقال:
كان العباس وأبو سفيان صديقين قديمين، وأصرّ العباس على أن يحمل أبا سفيان معه ليذهبا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -. كان العباس يخشى أن يهاجم عمر t أبا سفيان فيقتله، ولكنه - صلى الله عليه وسلم – كان قد أعلن سلفا على سبيل الاحتياط لكل من يلقى أبا سفيان ألا يحاول قتله. فأثّر ذلك في نفس أبي سفيان وهزّته رفعة الشأن التي نالها الإسلام ولكنه كان خائفًا من انتقام المسلمين.
شاهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا القائد المضطرب، فأمر العباس أن يستضيفه الليلة على وعدٍ برؤيته في الغد. وفي الصباح استدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت صلاة الصبح، وفوجئ أبو سفيان بفوْرة النشاط والتحرّكات في تلك الساعة المبكرة، فلم يكن من عادته ولا من عادة قومه أن يكونوا مستيقظين في هذا الوقت، فسأل بقلق: "ماذا يفعل هؤلاء"؟ وأجاب العباس: "لا شيء يدعو للخوف، إنهم يستعدّون للصلاة".
ذُهل أبو سفيان من رؤية آلاف المسلمين يصطفُّون خلف رسول الله ﷺ، ويفعلون مثلما يفعل r. عند انتهاء الصلاة، قاده العباس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي سأله: "ويحك أبا سفيان. ألم يأْن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله"؟ فأجابه أبو سفيان: "بأبي أنت وأمي. ما أحْلمَك وأكْرمَك وأوْصلك، لقد ظننتُ أن لو كان مع الله إلهٌ غيره، لقد أغنى عني شيئًا".
فقال رسول الله: "ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله"؟
فرد: "بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأوصلك وأكرمك، أمّا هذه ففي النفس منها شيء".
وبينما كان أبو سفيان في تردده في الاعتراف برسول الله نبيًا، دخل في الإسلام اثنان من أصحابه الذين رافقوه من مكة، كان أحدهما حكيم بن حزام. ولم يلبث أبو سفيان بعدها إلا قليلاً ثم دخل هو أيضًا الإسلام.
وسأل حكيمُ بن حزام الرسولَ ﷺ عما إذا كان المسلمون عازمين على قتل ذويهم في مكة؟ فأجابه بأنهم كانوا قساة على المسلمين، وأثبتوا أنهم لا عهد لهم، ونقضوا عهد السلام الذي عقدوه في الحديبية، وهاجموا خزاعة بوحشية، واستحلوا القتل في الحرم الذي عظّم الله حرمته. فأجاب حكيم: إن هذا لَحَقٌ، فقد فعل القوم كل ذلك. واقترح عليه أن يغزو هوازن بدلاً من مسيره إلى مكة.
فأجابه الرسول ﷺ إن هوازن كذلك كانوا قساة وإنه يأمل أن يمكّنه الله تعالى من تحقيق أهداف ثلاثة: فتح مكة، وإشاعة الإسلام، وهزيمة هوازن.
إلى هذا الحد كان أبو سفيان جالسًا ينصت، وحينئذ سأل أبو سفيان رسول الله: "إذا لم تسلّ مكة سيفًا فهل ينالون السلام"؟
وأجابه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإيجاب، فمن أغلق عليه بابه فهو آمن. وهنا تدخَّل العباس قائلاً: "يا رسول الله. إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئًا".
فقال ﷺ: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن".
وخلال مرور جيش الإسلام على أبي سفيان، كانت راية الأنصار مع سعد بن عُبادة، فوقعت عيناه على أبي سفيان، فقال: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشًا". ولدى مرور الرسول - صلى الله عليه وسلم -، رفع أبو سفيان صوته مخاطبًا الرسول قائلاً: "يا رسول الله! ألم تسمع ما قال سعد"؟ قال: "وما قال"؟ فقال: "قال كذا وكذا". فقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف: "يا رسول الله، ما نأمن أن يكون له في قريش صوْلة". فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بل اليوم يوم تُعظَّم فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيه قريشًا. وهكذا عبر أبو سفيان للرسول - صلى الله عليه وسلم - عن مخاوفه أن يسمح بمذبحة في عشيرته حسبما هدّد سعد ورغِب في عفو الرسول ﷺ وغفرانه.
لم يذهب رجاء أبي سفيان أدراج الرياح. إن هؤلاء المسلمين المخلصين الذين ضُربوا وأهينوا في طرقات مكة، وأُرغموا على ترك ممتلكاتهم ومنازلهم فيها، بدأت تخالجهم مشاعر الرحمة نحو معذبيهم. وأرسل النبي ﷺ إلى سعد يأمره أن يسلِّم راية الأنصار إلى ابنه قيس بن سعد، وهكذا هدّأ من روْع أهل مكة، وفي نفس الوقت لم تخرج القيادة من الأنصار، فلقد كان القائد هو ابنه.
كان هناك شخص واحد فقط لم يكن لديه أقارب في مكة ولم يملك أية قوة فيها ولا صديق، وكان المسكين يُظلم فيها بما لم يُظلم غيره حتى النبي r.. إنه بلال الذي كان يُطرح عاريا على الرمال الحارقة وكان الشباب يرقصون على صدره بأحذية فيها مسامير، ويطلبون منه أن يقول بأن هناك آلهة سوى الله وأن محمدا رسول الله كاذب فكان يقول بلهجته الحبشية: "أسهد ألا إله إلا الله، أسهد ألا إله إلا الله". والآن حين غزا جيش المسلمين فلا بد أن يكون قد خطر ببال بلال - رضي الله عنه - أنه سيُنتقم اليوم نيابة عنه لتلك الأحذية وتلك المظالم فعندما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: آمِنٌ من دخل بيت أبي سفيان، ومن دخل بيت الله، ومن ألقى السلاح ومن دخل بيته، فلا بد أن يكون قد خطر ببال بلال أنه قد عُفي عن إخوتهم وأقاربهم، ولكن لم يُنتقَم لي. فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم – أن بلالًا هو الشخص الوحيد الذي يمكن أن يتأذى بعفوه لأن مَن عُفي عنهم ليسوا إخوته، فانتقم له رسول الله انتقامًا يُبقي شأن نبوته ﷺ قائما ويُفرح بلال حيث قال: انصبوا راية لبلال وقولوا لزعماء مكة الذين كانوا يقفزون على صدره ويجرونه ويطرحونه على الرمال الحارقة - إذا كنتم تريدون أن تنقذوا حياتكم وحياة أولادكم فتعالوا تحت راية بلال.
لم ينتقم أحد مثل هذا الانتقام العظيم الجميل من أحد منذ أن خُلقت الدنيا ومنذ أن أُعطي الإنسان قوة على أخذ ثأر الدم من غيره. عندما نُصبت راية بلال في الميدان أمام الكعبة وكان زعماء العرب - الذين كانوا يدوسونه تحت الأقدام ويطلبون منه أن يُكذب محمدا رسول الله - يأتون بأولادهم تحت رايته إنقاذا لحياتهم، يمكنكم أن تتصوروا كيف كان قلب بلال - رضي الله عنه - يفادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
في النهاية ذكر حضرته نبذة من حياة المرحومة أمينة شهناز زوجة الأستاذ إنعام الله المحترم من لاهور، التي كان والدها قد بايع سيدنا الخليفة الثاني t في عام 1934 يوم كان عمره 15 سنة فقط. وكانت موصية، وتركت خلفها زوجها وابنا واحدا وأربع بنات، وابنها هذا داعية إسلامي أحمدي يخدم الجماعة في السنغال ولكونه في ميدان العمل لم يستطع حضور مراسم الدفن لأمه، واسمه الأستاذ وجيه الله.
كانت المرحومة تواسي الفقراء وتعتني بالجيران وتحسن إليهم، وكانت تحب الخليفة كثيرا وكانت تكرم الضيوف كثيرا. ولقد خدمت لجنة إماء الله في المنطقة بصفتها سكرتيرة المال لمدة عشرين سنة. وكانت تداوم على الصلوات الخمس وقيام الليل أيضا. وكانت تصوم كل يوم خميس نفلا. وصلى عليها الجنازة الغائب بعد الصلاة.