ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 04/07/2025



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 04/07/2025، حيث تابع الحديث عن فتح مكة وقال:

عندما دخل النبي ﷺ مكة، وقف بين الناس وكانت لحيته المباركة من شدة التواضع تكاد تلامس الكاهل، وكان يردد: "اللهم إن العيش عيش الآخرة"

 ومن مظاهر عدله وتواضعه ﷺ أنه جعل أسامة بن زيد رضي الله عنه، ابن عبده المحرر، يركب خلفه، رغم وجود رؤساء قريش وأبناء بني هاشم.

يقول المسيح الموعود عليه السلام:

"العلوّ الذي يعطاه عباد الله الخواص يكون على سبيل التواضع، أما علوّ الشيطان فيكون مشوبا بالاستكبار. عندما فتح رسول الله ﷺ مكة خفض رأسه وسجد كما كان يخفضه ويسجد في أيام المصائب والمصاعب حين كان يتعرض للمعارضة من كل نوع وكان يؤذى بشدة. عندما فكّر النبي في كيفية خروجه من هناك وكيفية عودته زخر قلبه بشكر لله فسجد".

لما دخل الرسول - صلى الله عليه وسلم – مكة، سألوه أين سيقيم، فسأل عما إذا كان عقيل قد ترك دارًا في مكة. كان عقيل ابن عم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأثناء فترة غيابه بعد هجرته إلى المدينة، باع أقرباؤه كل بيوته، فلم يكن قد بقي مكان يمكن أن يعتبره صلى الله عليه وسلم بيتًا له. لذلك قال إنه سينْزل في خيف بني كنانة، وهو المكان الذي تعاهدت فيه قريش وكنانة أنه ما لم يسلّم بنو هاشم وبنو عبد المطلب رسول الله إليهم ليفعلوا به ما شاؤوا، فإنهم لن يتعاملوا مع القبيلتين، لا ببيع ولا شراء، فلجأ رسول الله وعائلته وأتباعه إلى شعب أبي طالب وعانوا مقاطعة مريرة وحصار لثلاث سنوات.

فها قد جاء صلى الله عليه وسلم إلى نفس ذلك المكان وكأنه يقول لهم: "ها أنا ذا، ولكن ليس كما كنتم تريدون. لقد كنتم تريدونني سجينًا، مهانًا، ضعيفًا رهن رحمتكم. ولكن ها أنا ذا وقد منحني الله القوّة والمنَعة، فليست عشيرتي وحدها هي التي تقف معي، بل أهل الجزيرة العربية كلها".

أمضى النبي ﷺ جزءًا من النهار في خيمته، ثم طلب ناقته القصواء ونهض ليأخذ سلاحه ويضع خوذته على رأسه، وكان الصحابة يحيطون به في حلقة. ركب النبي ﷺ ناقته، وتوجّه إلى الكعبة المشرّفة وهو لا يزال على ناقته، فطاف سبع مرات حول البيت الذي بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من أجل عبادة الله الواحد الأحد، والذي بسبب ضلال ذريتهما قد تحوّل ليكون مستودعًا للأصنام. وضرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعصاه الأصنام، الواحد تلو الآخر وكان عددها ثلاثمئة وستين صنما، وكلما سقط أحدها أو تحطم، كان يتلو قوله تعالى: {جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.

وهكذا عادت الكعبة لتقوم بالدور الذي بُنيَت من أجله... لتكون المكان المخصص لعبادة الله الواحد الذي لا شريك له. وتحطمت الأصنام، وكان أكبرها "هُبَل". وسدّد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليه ضربة قوية بعصاه أوقعته فتناثر حطامه، فراح الزبير بن العوّام يذكر أبا سفيان، بما حدث في أُحُد، فقال: "هل تذكر ذلك اليوم الذي وقف فيه المسلمون مكلومين مُنهكين بجوار الجبل، ثم زدت أنت من آلامهم حين هتفت: اعْلُ هُبَل، فهل كان هبل الذي أعطاكم النصر ذلك اليوم؟ لو كان ذلك فانظر إلى ما آل إليه".

تأثر أبو سفيان، واعترف بأنه لو كان هناك حقًّا ربٌّ غير ربّ محمد، لما آل أمرهم إلى الهزيمة والهوان.

أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإزالة الصوَر التي كانت تشوّه جدران الكعبة، ثم صلى ركعتين شكرًا لله، ثم خرج إلى الحرم المفتوح خارج الكعبة وصلى ركعتين أخريين.

لقد كان يومًا مشهودًا، فها هي وعود الله التي بدت مستحيلة التحقيق يوم تلقاها الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد تحققت في النهاية. لقد كان صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم مرْكزًا للحب والإيمان، فقد تجلّى الله - جل جلاله - من خلال شخص الرسول وأظهر وجهه الكريم كما فعل من قبل. وقد طلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعضًا من ماء زمزم، فشرب بعضه وتوضأ بالبقية. وكان المسلمون لشدة حبهم له لا يسمحون لقطرة ماء أن تسقط من وضوء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الأرض، فكانوا يتلقون الماء المتساقط في كفوف أيديهم ثم يبللوا به أجسامهم. اندهش المشركون من رؤية ذلك وقالوا إنهم لم يروا ملكًا من ملوك الأرض يحبّه شعبه هذا الحب.

بعد أن تمت كل الشعائر، توجّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب لأهل مكة قائلاً: "يا معشر قريش، ماذا ترون أني فاعل بكم"؟ لقد رأوا أن وعود الله تعالى التي كان يسردها على مسامعهم قد تحققت، وجاءت ساعة الحساب، لينالوا العقاب الذي يستحقونه على التعذيب والمظالم التي ارتكبوها ضد أناس لا ذنب لهم سوَى أنهم دعوهم إلى عبادة الله وحده وألا يشركوا به شيئًا. وكان جوابهم عليه أنهم يتوقعون منه معاملة كريمة، كما عامل يوسف إخوته الخاطئين.

لقد كانت مصادفة ذات معنى عميق أن يستعمل أهل مكة في طلبهم الصفح نفس الكلمات التي استخدمها الله تعالى في سورة يوسف، والتي نزلت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل فتح مكة بعشر سنوات. فبسؤالهم أن يجزيهم النبي ﷺ كما جازى يوسف إخوته، اعترفوا بأنه صلى الله عليه وسلم كان مثيلاً ليوسف - عليه السلام -، وكما نصر الله تعالى يوسف على أخوته، فكذلك نصر الله تعالى رسوله على مكة. وكان رد النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم: "لا تثريب عليكم اليوم. اذهبوا فأنتم الطلقاء".

يقول المسيح الموعود عليه السلام:

"عندما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة عُرض عليه الكفار جميعا كأسرى، فأقرّوا بلسانهم بأننا نستحق القتل بسبب جرائمنا ونسلّم أنفسنا إلى رحمتك، فعفا النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم جميعا دون أن يضع للعفو شرطا أن يُسلموا، غير أنهم أسلموا طوعا نظرا إلى أخلاقه الكريمة".